
في بيان صدر يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت المنظمة غير الحكومية البريطانية “أنقذوا الأطفال” أنّ 3195 طفلا قتلوا خلال ثلاثة أسابيع في قطاع غزة، وهي حصيلة تتجاوز المعدل السنوي للأطفال الذين قضوا في منطقة الصراع منذ عام 2019.
واستنادا إلى إحاطة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بتاريخ 28 أكتوبر، أكّدت منظمة “أنقذوا الأطفال” أنّ هذه إحدى أكبر المآسي التي حصلت في السّنوات الأخيرة.
وصرّحت المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسيف، كاثرين راسل، من جانبها، بأنّه “وفقا لوزارة الصّحّة الفلسطينيّة، فإنّ أكثر من 8300 فلسطيني قُتِلوا في غزّة، بينهم أكثر من 3400 طفل، وأصيب أكثر من 6300 طفل. أي أنّ أكثر من 420 طفل يقتل أو يصاب كلّ يوم في غزّة – وهذا رقم ينبغي أن يهز كلّ واحد فينا من أعماقه- . وبطبيعة الحال، فإنّ العنف ضدّ الأطفال يتجاوز قطاع غزة إلى مناطق أخرى. ففي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، قتل 37 طفلاً على الأقلّ .« هذا التصريح، الذي أدلت به كاثرين راسل بعد زيارتها لقطاع غزّة يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وهو شاهد على المحنة التي يعيشها الأطفال الفلسطينيّون المحاصرون من قبل جيش لا يعترف بحقّ ولا رأفة.
وفي هذا الإطار، ذكّرت المديرة التنفيذية لليونيسف أنّ: «العديد من الأطفال مفقودون ويُعتَقَد أنّهم مدفونون تحت أنقاض المباني والمنازل المنهارة، وهي النتيجة المأساوية لاستخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان. وفي الوقت نفسه، مات أطفال حديثو الولادة ممّن تلزمهم رعاية متخصّصة في واحد من مستشفيات غزّة، مع نفاذ الكهرباء والإمدادات الطبية واستمرار العنف بشكل عشوائي».
وذكرت اليونيسف أيضًا، أنّ 11180 شخصًا، من بينهم 4630 طفلًا وأكثر من 3000 امرأة، لقوا حتفهم حتى تاريخ 17 نوفمبر 2023. ومن بين ما يزيد عن 28000 جريح، هناك 8663 طفلا. كما يوجد ما لا يقل عن 3200 شخص في عداد المفقودين، من بينهم 1500 طفل، ويمثل الأطفال والنساء 67% من مجموع الضحايا. وتتصاعد حصيلة الضحايا كلّ يوم، بشكل خطير، مما يحوّل غزة إلى “مقبرة” لآلاف الأطفال وكابوس لجميع الأطفال الباقين على قيد الحياة. وبالتوازي مع ذلك تشهد الضفة الغربية تصعيدا في الاعتداءات، ممّا أدّى إلى الوفاة المأساوية لأكثر من 45 طفلا.
وعلاوة على المجازر الحاصلة، توقّف أكثر من 625000 طالب في قطاع غزة عن الالتحاق بمقاعد الدّراسة منذ بدء العدوان، وذلك وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وذكرت الوكالة الأممية، أنّ « حجم الأضرار التي لحقت بالمدارس وغيرها من البنى التحتية المدنية تثير قلقا متزايدا ». وبالفعل فإنّ جيش الاحتلال يستهدف عديد المدارس في القطاع على الرّغم من أنّها تستخدم كملاجئ لإيواء النّازحين. علما أنّ الطلاب في قطاع غزّة، تعرّضوا منذ عام 2007، لانقطاعات عديدة في دراستهم بسبب الاعتداءات المتكررة التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي.
لكنّ القصف ليس هو الخطر الوحيد الذي يواجهه الأطفال في غزّة؛ إذ عليهم أيضا أن يتمكّنوا من العيش في القطاع الذي بات يفتقر لكلّ مقومات الحياة تقريبا. في البداية تمّ قطع الإمداد بالكهرباء في المنطقة، ومن آثاره تهديده لحياة 130 من الأطفال الخدّج يوجدون حاليًّا في الحاضنات في مستشفيات غزّة.
وأعربت المنظمة العالمية للصّحة عن قلق بالغ، مؤكّدة أنّه بدون الوقود اللازم لتشغيل المولّدات، فإنّ هؤلاء الأطفال معرّضون لخطر مميت. وفي هذا الإطار ذكر كريستيان ليندماير، المتحدث باسم المنظمة : «إنّها كارثة وشيكة على الصّحّة العامّة تلوح في الأفق».
وفي جانب آخر، وصل نقص المياه إلى مستويات حرجة. وأوضح جيمس آلدر، المتحدّث باسم اليونيسيف أنّ: «أكثر من مليون طفل في غزّة في حاجة ماسة إلى الماء. بينما لا يمثل إنتاج مياه الشرب حاليّا سوى 5% مما كان عليه في الأوقات العادية». ورغم وجود محطات لتحلية مياه البحر في غزة، إلاّ أنّ معظمها بات خارج الخدمة أو يعمل بشكل محدود للغاية. ويضطر الأطفال إزاء هذا الوضع إلى استهلاك المياه المالحة، ممّا يهدّد بمخاطر إضافيّة على صحّتهم ويفاقم هشاشتهم.
وعلى الصعيد الميداني، فالحالة كارثية لدرجة أنّه حتى في صلب الأمم المتّحدة، يجد الموظفون صعوبة في إخفاء تأثّرهم. وهذه هي المرّة الأولى، باستثناء خلال ذروة الصّراع السّوري، يُستشعَر فيها هذا الثقل في كلّ مؤتمر صحفي. في بعض الأحيان يوشك المتحدثون الرّسميّون على البكاء عندما يعلنون عن فقدان العديد من زملائهم ليلا، أو عندما يخبرون عن كتابة الآباء أسماء الأطفال على أذرعهم ليسهل التعرّف عليهم في حال استشهادهم. أمّا وراء الكواليس، فيعترف المسؤولون بأنّهم ما عادوا يعرفون حقاً ماذا يقولون أو ماذا يفعلون. ولقد جرت العادة أن يكون على الأمم المتحدة مواجهة نقص التمويل لعملياتها الإنسانية، ولكن العقبة الرئيسية هذه المرّة تكمن في الدخول إلى المكان. إذ لم تتمكن سوى 143 شاحنة إغاثية فقط من دخول غزّة حتى الآن، بالمقارنة مع 500 شاحنة كانت تدخل يوميّا قبل بدء الصراع.
وعلى الصعيد السياسي الدّولي، ورغم أنّ كبار الزعماء، منذ بداية الصراع، انحازوا كلّيّا إلى الجانب الإسرائيلي، يبدو أنّ ممارسات جيش الاحتلال بدأت تدفع بهم إلى تغيير مواقفهم. فقد أكّد الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا داسيلفا، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، متحدّثا عن موقفه من الهجوم الذي نفذته حماس، أنّ «تصرّف إسرائيل تجاه النساء والأطفال»، ” شبيه بالإرهاب» وقال داسيلفا في برنامجه الأسبوعي على المنصات الاجتماعية “محادثة مع الرئيس” :«إذا علمتُ أنّ هناك أطفالًا في مكان ما، حتى لو كان هناك وحش، فلا يمكنني أن أقتل الأطفال لأنّني أريد قتل الوحش».
ودعا رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، من جانبه، إسرائيل إلى وضع حدّ لأعمال العنف التي تستهدف النّساء والأطفال والرّضع في شمال غزّة. وأعرب ترودو عن قلقه العميق إزاء الوضع المفجع في غزة، مشدّدًا على أنّ ثمن العدالة لا ينبغي أن يكون المعاناة المستمرّة للمدنيّين الفلسطينيّين. وأشار إلى أنّه يوجد قواعد حتى في الحرب.
ونادى رئيس الوزراء الكندي إسرائيلَ إلى التحلّي بأقصى درجات ضبط النّفس في حربها، مؤكّدا أنّ العالم متنبّه للأحداث وشدّد ترودو على أهميّة انهاء معاناة المدنيّين، مستشهدا بالشهادات المؤثرة للأطباء وأفراد الأسر والناجين، ولا سيما تلك الصادرة عن الأطفال الذين فقدوا والديهم.