المرأة الريفية: التأثير غير المتناسب للفقر في العالم وفي المنطقة العربية

في جميع أنحاء العالم وفي المنطقة العربية تحديدا، يتمركز في المناطق الريفية، بشكل غير متناسب، العدد الأكبر من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. فعلى سبيل المثال، يتمركز 79% من السكان المغاربة الذين يعيشون تحت خط الفقر في المناطق الرّيفية من البلاد وفقا لمؤشرات التنمية العالمية لعام 2013. وفي تونس، أحصى المعهد الوطني للإحصاء، 1786,261 امرأة تعيش في المناطق الرّيفية في عام 2017، وهو ما يمثل 32% من مجموع النساء التونسيات و50,4% من سكان الرّيف.

وفي حين أنّ ما يقرب من 43 % من العاملين في الزراعة في جميع أنحاء العالم هنّ نساء، وفقًا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، تواجه النساء والفتيات الريفيات صعوبات في الحصول على الأراضي والتمويلات والتدريب والمدخلات الزراعية والمعدّات، ممّا يحول دون الإنتاج بكفاءة، أو تحقيق الاستقرار المالي أو الأمن الغذائي، أو تنمية مشاريعهنّ الصغيرة.

ووفقًا للوكالة الأممية، أيضا، فإنّ ما بين 100 إلى 150 مليون شخص حول العالم سيكونون في مأمن من الأزمات الغذائية وتأثيرات تغيّر المناخ، إذا ما أتيح للنساء الريفيات الحصول على الموارد الاقتصادية نفسها المتوفرة للرّجال. بيد أنّه لا يزال من الصعب تحقيق هذا الهدف نظرا إلى أنّ النساء، لا يمثلن سوى 15% من مجموع مالكي الأراضي على المستوى العالمي، بينما تعمل حوالي 68% من النساء اللاتي يعشن في فقر مدقع، في الزراعة (وفقًا للأرقام الصادرة عن مكتب العمل الدولي).

خلال الأزمات الصحيّة أو الاقتصادية، يكون الضرّر على النساء الرّيفيات غالبا، أشدّ منه على نظراءهنّ من الرجال، حيث تتأثرن سلبا في جوانب عدّة من حياتهن، من ناحية الأمن الغذائي والتغذية، وضيق الوقت والحصول على الرّعاية الصحيّة والفرص الاقتصادية، والعنف القائم على نوع الجنس. بالإضافة إلى ذلك تشكّل، العزلة الاجتماعية ونقص المعلومات الجيّدة والوصول المحدود إلى التكنولوجيات، مصادر إضافيّة للصّعوبات، ممّا يعيق عملية تحسين ظروف عملهنّ ومعيشتهنّ.

يعد اليوم الدولي للمرأة الريفية، الذي يحتفل به في 15 أكتوبر من كل عام، فرصة لاستعراض التحديات التي تواجهها هؤلاء النساء، لا سيما أنّ تمكينهنّ الذي تنصّ عليه الاتفاقيات الدولية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). وأهداف التنمية المستدامة 2030، أمر حاسم لتحقيق المساواة بين الجنسين والقضاء الحقيقي على الفقر والجوع.

وفي هذا الإطار، صرّحت السكرتيرة التنفيذية للاتحاد العربي للنقابات هند بن عمار: « في هذا اليوم، نستحضر معا المظالم الاجتماعية والاقتصادية المسلّطة ضدّ المرأة الريفية، تاريخيّا، وخاصة في المنطقة العربية. هي معاناة، تتجلّى في الفقر والمرض والزّواج القسري أو في سنّ مبكّرة، والحرمان من التعليم وغياب الرّعاية الصحية والسلامة المهنيّة، والتنقل وسط المخاطر، والأجر المنخفض، أو الحرمان من الأجر، إلى غير ذلك. هذه هي الصورة المحزنة لهؤلاء النساء على أرض الواقع«.

وشدّدت هند بن عمار على أنّ وضع النساء الرّيفيات كان دائما من صلب اهتمامات الحركة النقابية العربية :« غير أنّ التشريعات القائمة وطبيعة تواجدها الجغرافي تجعل من مسألة تنظيم هؤلاء النّساء نقابيا – وهنّ اللاّتي يمثلن 60% من العاملين الزراعيين وفقا للمنظمة العربية للزراعة-، مهمة صعبة للغاية.«

وأضافت مسؤولة الاتحاد العربي للنقابات : «علينا تشبيك جهودنا مع منظمات المجتمع المدني المختصة في مجال النهوض بأوضاع المرأة الريفية عبر إيصال ثمار التنمية إلى مكان تواجدها بما يقلص من نقص البنى التحتية وغياب خدمات الجوار كرياض الأطفال بالإضافة إلى تحقيق هدفنا الأسمى وهو ضمان عمل لائق للمرأة الريفية وتفعيل حقّها في التنظّم نقابيّا«.

وجدير بالذكر أنّ الأمم المتّحدة أطلقت العديد من المبادرات العالمية لتمكين المرأة الريفية. وتهدف المبادرة من أجل المساواة بين الجنسين وتمكين النساء الريفيات، التي تمّ إطلاقها في عام 2012، إلى زيادة وصول المرأة الريفية إلى الموارد الإنتاجية وفرص العمل اللائق، وفي نفس الوقت مع ضمان دورها في صنع القرار في الحوكمة. وفي السياق الحالي لأزمة ارتفاع كلفة المعيشة التي تفاقمت بسبب الاضطرابات الأخيرة في الأسواق العالمية، من الضروري الاستجابة عاجلا وبابتكار.

إنّ أوجه التقدم القليلة التي سجّلت منذ السنوات الأولى للقرن الحادي والعشرين، توقّفت بل إنّ أوجها للتراجع بدأت تظهر على أرض الواقع. فقد كان، للأزمة الصحية واندلاع الحرب في أوكرانيا، فعلا، تأثير مدمّر على النساء الريفيات. وتسبّبت الاضطرابات في أسواق الغذاء والطاقة والمواد الأوّلية، الناجمة عن هذا الصراع في تفاقم الفوارق بين الجنسين، مفضيا إلى زيادة معدّلات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية وفقر الطاقة.

وفي هذا السياق، يعد الاستثمار في التعليم والتدريب المهني وحصول على التكنولوجيات أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للنساء الريفيات. ومن شأن ذلك، تعزيز قدراتهنّ وتحسين مشاركتهنّ في الاقتصاد. إنّ تمكين النساء الريفيات ليس هدفا أخلاقيّا فحسب، بل هو أيضا ضرورة اقتصادية واجتماعية. ومن خلال إزالة العقبات التي تحول دون تمكينهنّ اقتصاديا واجتماعيا، يصبح من الممكن التطلع إلى مجتمعات أكثر إنصافا وشمولا وازدهارا للجميع.

هؤلاء النساء الريفيات، اللاتي يشكلن ركيزة للتنمية المستدامة، يمثلن نسبة كبيرة من اليد العاملة الزراعية على المستوى العالمي. إنهنّ يلعبن دورًا حاسمًا في ضمان استدامة الأسر والمجتمعات الريفية، بمساهمتهنّ بشكل كبير في الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي والتغذية واستغلال الأراضي والموارد الطبيعية.