
خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة الملتئمة في سبتمبر 2015، تم تسليط الضوء على مفهوم “العمل اللائق” إضافة إلى الركائز الأربع لجدول الأعمال الذي خُصِّصَ له – ألا وهي بعث فرص العمل، الحماية الاجتماعية، الحق في العمل والحوار الاجتماعي – كعناصر أساسية للخطّة الجديدة، أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 . ويرمي الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل للجميع، والعمالة الكاملة والمنتجة، وظروف العمل اللائقة، وهو يمثل مجالا حاسمًا من مجالات التزام منظمة العمل الدّولية ومهامها. علاوة على أنّ البنود الرّئيسية للعمل اللائق تمّ ادماجها بشكل واسع ضمن أهداف الخطّة الأممية الجديدة للتنمية المستدامة، التي تتألّف في مجموعها من 17هدفا. ومنذ عام 2008، وبمبادرة من الحركة النقابية، يتمّ يوم 7 أكتوبر من كل عام الاحتفال باليوم العالمي للعمل اللائق.
وبمناسبة إحياء اليوم العالمي للعمل اللائق، ذكرت السكرتيرة التنفيذية للاتحاد العربي للنقابات «إنّ الحديث عن العمل اللائق في المنطقة العربية بالمؤشرات الحالية للبطالة والتي بلغت 12% السنة الماضية ، بالإضافة إلى أنّ ثلث سكان المنطقة العربية يقبعون تحت خط الفقر، يحتاج إلى تدقيق وتنسيب لارتباط العمل اللائق بالأوضاع الاقتصادية، تماما كما نصّ على ذلك الهدف الثامن من أهداف الألفية للتنمية المستدامة«.
واستدركت هند بن عمار: « لقد حققت عديد البلدان العربية نجاحات في مجال ترسيخ أسس العمل اللائق في محيط العمل بفضل نضالات المنظمات النّقابية، غير أنّ أزمة كوفيد 19 تسبّبت في تراجع كبير في مؤشرات العمل اللاّئق التي تعتمد بصفة أساسية على العدالة في توزيع ثمار التنمية، ومدى اتساع مظلة الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، والتّصدي لعدم المساواة بكل أشكالها، سواء أكان ذلك على مستوى الأجور، أو في فرص العمل أو الحق في التدريب المتواصل بالإضافة إلى احترام الحق في التنظيم النقابي داخل المنشأة أو موقع العمل. ولكن للأسف الشديد، فمن خلال متابعتنا المتواصلة لسوق العمل العربية شهدت كلّ هذه المؤشّرات تراجعا كبيرا رغم مرور قرابة سنتين على أزمة كورونا.«
واعتبارا لأنّ العمل اللائق في منظوره العام يؤسّس لاحترام حقوق العاملين في إطار مجموعة من القواعد وعلى رأسها الحق النقابي بالإضافة إلى الحقّ في أجور مجزية وعادلة وفي السلامة والصّحة المهنيّة والمساواة بين الجنسين، فقد رصد الاتحاد العربي للنقابات انتهاكات واسعة للحق في الممارسة النقابية خلال سنة 2023 ، بالإضافة إلى تراجعات عن حقوق العمّال كالحق في المفاوضة وخصوصا في حق الإضراب.
وفي هذا الإطار أضافت السكرتيرة التنفيذية للاتحاد العربي للنقابات أنّ: «هناك توجّها عالميّا ليس فقط عربيّا لإضعاف الحركة النقابية والحدّ من أحد أهمّ حقوقها وهو الإضراب، كوسيلة احتجاج وضغط سلمي معترف به كونيا. ومن هذا المنطلق نخوض تحت لواء الاتحاد الدولي للنقابات العمالية وبمعية كلّ النقابات في العالم معركة الدّفاع عن الحق في الإضراب على كل المستويات. وقد تقدمنا بطلب إحالة كلّ النزاعات المنشورة لدى منظمة العمل الدولية بسبب الحق في الإضراب والتي طال أمدها إلى محكمة العدل الدّولية من أجل فضّها هذه وإيقاف نزيف انتهاك حقّ العمال في الإضراب« .
الاتحاد الدّولي للنقابات من جانبه أطلق حملة عالمية لدعوة الحكومات وأصحاب العمل إلى زيادة أجور العاملين. وتحثّ هذه الحملة التي شعارها “حان الوقت لرفع الأجور!”، على اتخاذ اجراءات عالمية شاملة من شأنها انتشال العمّال من حالة هشاشة. وهي هشاشة تدعو للقلق، خاصّة أنّه من الجانب الآخر يواصل أصحاب العمل تسجيل أرباح هامّة، بينما يرفضون الاستجابة لأي مطالب تتعلق بزيادة الأجور.
وفي هذا الإطار صرّح لوك تراينغل، الأمين العام بالنيابة للاتحاد الدّولي للنّقابات، بأنّه على الرّغم من أنّ الأجور «تشكل أساس اقتصاد مستدام ومنصِف”، إلاّ أنّ الخوض فيه لا يزال من المحظورات لدى العديد من أصحاب العمل، الذين يواصلون رفض الترفيع فيها و”تقاسم الرّخاء مع العمّال الذين ينتجون السلع ويقدّمون الخدمات التي تولّد هذه الثروة». وأضاف المسؤول النقابي: «بينما وصل التهرّب الضريبي والتحيّل لدى للشركات إلى مستويات قياسيّة، فإنّ القطاع العام بدوره يفتقر إلى الموارد اللازمة لضمان أجور لائقة».
ويمكن تفسير هذا الوضع جزئياً بالانخفاض في نسبة انتساب العمّال إلى النقابات؛ وفي هذا السياق، يبيّن نداء الاتحاد الدّولي للنقابات، أنّ الأجراء المنتمين إلى نقابة «يكسبون ما بين 10% إلى 25% أكثر من العمّال غير المنتسبين إلى نقابة». وقد أظهرت الطبعة الأخيرة من مؤشر الحقوق العالميّة للاتحاد الدّولي لنقابات العمال جليّا أنّ حقوق العمّال، وبالأخصّ الحقّ في الإنتماء النقابي، تتعرّض للقمع بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم تقريبًا. ولفت لوك تراينغل إلى أنّه «كي يحصل العمّال على أجور لائقة، فإنّ الطريقة الأفضل والوحيدة، في أغلب الأحيان، هي الانضمام إلى نقابة».
وقد نشرت منظمة العمل الدّولية من جانبها، مذكرة تحليلية بشأن التقدّم الحاصل في تحقيق الهدف الثامن للتنمية المستدامة حول العمل اللائق للجميع. وأظهرت الدراسة التي تحمل عنوان “التنمية المستدامة والعمل اللائق والعدالة الاجتماعية” أنّ “العالم بعيد عن تحقيق ما يقرب من ثلثي المؤشرات لقياس التقدّم المُحرَز نحو تحقيق الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة” وأنّ “المجتمع الدّولي اليوم بعيد عن تحقيق غايات الهدف 8 من أهداف التنمية المستدامة، تقريبا كما كان في عام 2015.”
وأشارت المذكرة الإعلامية إلى أنّ التقدم المحرز في الجوانب البيئية والاجتماعية من الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة، أقلّ عموما من التقدّم المحرز في الجانب الاقتصادي. وهي تقدّم توصيات لتحسين آفاق تحقيق الاثنتي عشر بندا التي يسعى إليها الهدف الثامن من أهداف التنمية المستدامة. وتتضمّن هذه التوصيات بالخصوص، ضرورة وضع سياسات تهدف إلى دعم الانتقال العادل نحو اقتصادات ومجتمعات مستدامة بيئيّا للجميع، وتوفير دعم إضافي متعدد الأطراف للعمل اللائق والحماية الاجتماعية الشاملة وللعدالة الاجتماعية في البلدان ذات الدخل المنخفض والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى. وتكثيف الجهود متعدّدة الأطراف والوطنية، بواسطة سياسات ذات نهج متكامل على صعيد الحكومة والمجتمع ككلّ.
ودعت منظمة العمل الدولية أيضا إلى “معالجة العبء الثقيل للديون وزيادة مرونة الموازنات بالبلدان النامية، لتمكينها من الاستثمار في السياسات والنّظم والمؤسّسات التي تدعم التقدّم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما في ما يتعلّق بالحماية الاجتماعية وحماية العمل، والتشغيل والعمل غير الرّسمي وتوظيف الشباب، والمساواة بين الجنسين.