
في عالم يشهد تتالي الأزمات والكوارث، تستمر الفوارق الاجتماعية في التزايد. ومع شروع الاقتصاد العالمي في التعافي من الصدمة التي أحدثتها الأزمة الصحية، تأتي الحرب في أوكرانيا وتبعات التغير المناخي لتذكير جميع الفاعلين في السّاحة الدّوليّة بأنّ مشاكل ملحّة قائمة تتطلّب حلولاً دائمة. ومن بين هذه التحديات، يحتل وضع العمّال المهاجرين مكانة حاسمة ويتطلب اهتماما خاصّا في إعادة بناء نظام عالمي أكثر عدلا وتوازنا.
ويلعب العمال المهاجرون، وهم أغلب الأحيان في حالة ضعف ويتعرّضون لظروف عمل هشّة، دورا حيويا في عديد الاقتصادات، حيث يساهمون في ازدهار وتنمية البلدان التي تستقبلهم. إلاّ أنهم يواجهون، مع ذلك، تحدّيات جوهريّة مثل الاستغلال والتمييز ونقائص في مجال حماية حقوقهم الأساسيّة.
في هذا الإطار، نشر الاتحاد الدّولي للنّقابات نداءً من أجل عقد اجتماعي جديد للعمال المهاجرين.إذ تبدأ الوثيقة بالتذكير بأنّه على الرّغم من المزايا الكثيرة التي تنطوي عليها الهجرة، لا سيما الاقتصاديّة منها، فإنّ العديد من الحكومات تصرّ على التّعامل مع هذه القضيّة باعتبارها تهديدا للأمان والاستقرار المهني لمواطنيها. والحال أنّ العمال المهاجرين غالبا ما يكونون معرّضين للعمل القسري بنسبة تفوق ثلاث مرات نظرائهم من غير المهاجرين.هذا الواقع ناتج عن عدّة عوامل، لا سيما الهجرة غير المنظمة أو سيئة الإدارة، بالإضافة إلى ممارسات تشغيل غير عادلة ولاأخلاقية. وتشير التقديرات إلى أنّ ما يزيد عن أربعة من كل ألف عامل غير مهاجر هم ضحايا للعمل القسري في القطاع الخاص، في حين يرتفع هذا الرقم إلى 14 عامل من كل ألف عامل مهاجر.
وإذ يؤكد الاتحاد الدّولي للنّقابات أنّ القوانين والأنظمة الوطنية الحالية لا توفر الحماية المناسبة للعمال المهاجرين، فإنّه يدعو بالتالي إلى «عقد اجتماعي عالمي جديد لجعل الاقتصاد في خدمة الإنسانيّة وإنقاذ الناس والكوكب من خطر الدمار، شامل لجميع العمال المهاجرين، في كل مكان من العالم، بقطع النظر عن وضعهم أوعلاقة العمل«. وعمليّا، يدعو الاتحاد الدّولي للنقابات إلى إنشاء ميثاق اجتماعي جديد، يقوم على المطالب الستة الرئيسيّة للعمّال، وهي: وظائف صديقة للمناخ، والحقوق لكلّ العاملين والعاملات، حدّ أدنى للأجور كاف للعيش، وحماية اجتماعية شاملة، والمساواة والادماج.
ويدعو الاتحاد الدّولي للنقابات في ندائه إلى توليد 575 مليون فرصة عمل جديدة وتسوية ما لا يقل عن النصف من الملياري وظيفة في القطاع غير المنظّم بحلول عام 2030. ويكتسي هذا التّمشي أهمية قصوى بالنّسبة للعمّال المهاجرين، وهم من بين المجموعات الأكثر تضرّرا من فقدان مواطن الشغل والتّفاوت في الدّخل، الذَيْن تفاقما بسبب جائحة كوفيد19.
هذا العقد الاجتماعي الجديد يرتكز على مجموعة حاسمة من المبادئ، لتشكيل بيئة مهنيّة محترمة ومنصفة للعمال المهاجرين. وتجمع هذه الركائز، الحق الأساسي في الحرية النقابية والمفاوضة الجماعيّة، بالإضافة إلى القضاء على العمل الجبري والعبودية الحديثة وعمالة الأطفال. ويتطلب أيضًا، عدم التمييز في جميع نواحي العمل، بما في ذلك الأجور، والتمتع بالحماية الاجتماعية، واتساع الحقوق الاجتماعية وفرص التدريب طيلة الحياة. إنّ ضمان توفّر بيئات عمل آمنة وصحيّة أمر حتمي، كما هو الشأن بالنسبة إلى إنشاء عالم مهني خال من العنف والتحرش. كما أنّ الحدّ الأدنى المناسب للأجر، وتحديد ساعات العمل، والتوظيف العادل، وسبل انتصاف فعّالة في حال انتهاكات حقوق العمل، من قبيل سرقة الأجور، هي أيضًا من صميم هذه الركائز. ويشدّد العقد على حرية التنقل داخل الحدود الوطنيّة وخارجها، فضلاً عن حرية إنهاء عقد العمل وتغيير صاحب العمل. وهذه العناصر الأساسية تمثّل رؤية الاتحاد الدّولي للنقابات من أجل عالم عمل عادل ومحترِم لحقوق الإنسان.
وإذ يشير الاتحاد الدّولي للنقابات إلى أنّه، وفقا للبنك الدّولي، 22% من المهاجرين لا يستفيدون من أيّ شبكة ضمان اجتماعي، سواء في البلدان المضيفة لهم أو في بلدانهم الأصلية، في حين أنّ 55% منهم فقط يحصلون على حماية اجتماعية عندما يقيمون في بلد المقصد، فأنّه يحثّ على إنشاء حماية اجتماعية شاملة، مصحوبة ببعث صندوق عالمي مخصّص للحماية الاجتماعية للدول الأفقر. ويشدّد التقرير على أنّ سياسات ومبادرات الحماية الاجتماعية يجب أن تشمل العمال المهاجرين وأسرهم، سواء في بلدانهم الأصلية، لاستقبال المهاجرين العائدين، أو في البلدان التي يعملون فيها.