اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر: الأزمات والنزاعات تزيد من ضعف الضحايا

يوم 30 يوليو هو تاريخ مميّز، إنّه اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر. يكتسي هذا اليوم أهمية كبرى، فهو يهدف إلى التحسيس بمحنة ضحايا هذه الجريمة النكراء وتعزيز الحماية لحقوقهم الأساسية. وإلى جانب أنه جريمة، يمثّل الاتجار بالبشر، في نفس الوقت انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وينتشر في سياقات أوضاع من الضعف الشديد.

يجد أفراد أبرياء أنفسهم تحت سطوة عبوديّة حديثة، يتعرّضون لأوضاع غير إنسانيّة ويتمّ استغلالهم لأغراض ربحيّة. إنّ وضع حدّ لهذه الآفة تتطلّب تعبئة دوليّة وتدابير قانونيّة معزّزة وزيادة في مستوى الوعي بهذا الجرم.

 

ومن الضروري، في هذا اليوم العالمي، التّأكيد على أهميّة مكافحة الاتّجار بالبشر من أجل عالم أكثر عدلاً، يكون فيه جميع الأفراد محميين ضدّ الاستغلال والاضطهاد.

 

إنّ النّزاعات والتّهجير القسري وتغيّر المناخ ومظاهر عدم المساواة والفقر، جميعها عوامل تفاقم الاتجار بالبشر وتجعل عشرات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، معدمين ومعزولين وضعفاء. وتتزايد خطورة هذه الآفة، خصوصا على النّساء والفتيات اللاتي يمثلن غالبية ضحايا الاتجار بالبشر على الصعيد العالمي.

 

ارتفاع مقلق لحالات الاتجار بالبشر في المغرب

 

أبرزت اللّجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والوقاية منه في المغرب، في تقريرها السّنوي الأول الذي يعرض حصيلة أنشطة عامين من العمل، زيادة رهيبة في عدد الحالات المسجّلة، حيث ارتفعت من 17 حالة في عام 2017 إلى 80 حالة في العام التالي، لتصل إلى 151 حالة في عام 2019.

وتكشف الحصيلة أنّ غالبية الضحايا من الكهول المغاربة، وأنّ نسبة الضحايا من القاصرين، ذكورا أو إناثا وصلت إلى 47.41%. وبلغ عدد الضحايا من الذكور 414 حالة، بينما بلغ عدد الضحايا من الإناث 305 حالة، منهم 192 قاصرًا و213 بالغين. ووفقا للتقرير كان عدد الضحايا من المغاربة 536 ضحية، بينما 183 ضحية هم من الأجانب.

 

كما يكشف التقرير أنّ الاستغلال الجنسي هو أكثر أشكال الاتجار بالبشر انتشارًا، حيث تمّ احصاء 283 حالة. ويليه الاستغلال في التّسول (56 حالة) والعمل القسري (35 حالة)، إلى جانب أشكال أخرى من الاتجار بالبشر والتهريب.

 

وتعليقًا على هذه النتائج، أبرز وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أهميّة المسار على المستوى التشريعي والممارسات الجيدة لمكافحة هذه الظاهرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المعالجة القانونيّة للاتجار بالبشر هي أمر مستجدّ في المغرب.

ويوضح عبد الرفيع حمضي، مدير الرّصد وحماية حقوق الإنسان في المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعضو اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر أنّه : «في السابق، لم يكن (الاتجار بالبشر) يعتبر جريمة مستقلة، إلاّ أنه منذ 2016 تمّ الاعتراف به كجريمة في حدّ ذاتها وفقا لبروتوكول باليرمو«.

 

فالمغرب وبحكم موقعه القريب من مسالك الهجرة يتزايد فيه باستمرار الاستغلال والاتجار بالأشخاص، نظرا لأنّ المهربين يستغلّون ضعف المهاجرين العابرين. ومن ثمّ فإنّ الاستغلال الجنسي والعمل القسري والإجبار على التسوّل والعبوديّة المنزليّة جميعها آخذة في التزايد.

وفي هذا السّياق نجد النّساء والأطفال هم المعرّضون بوجه خاصّ لهذه الأشكال من الاستغلال وكثيرا ما يضطرّون لممارسة البغاء أوالعمل ضدّ مشيئتهم، في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والبناء والأعمال المنزلية.

ورغم اتخاذ السلطات المغربيّة خطوات جادّة لمكافحة الاتجار بالبشر، لا سيما من خلال تعزيز القوانين ووضع آليات حماية للضحايا، لا تزال هناك العديد من التّحديات التي يجب رفعها، كما توضح ذلك الأرقام الأخيرة الصّادرة عن اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الاتجار بالبشر.

 

قضايا تحديد الضحايا على الصعيد العالمي

 

في كانون الثاني/يناير الماضي، نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقريرًا جديدًا كشف أنّ جائحة كوفيد-19 وغيرها من الأزمات عمّقت ضعف الأفراد، وجعلت تحديد ضحايا الاتجار بالبشر أكثر صعوبة.

 

على الصعيد العالمي، انخفض عدد ضحايا الاتجار بالبشر الذين تمّ تحديدهم عام 2020، بنسبة 11% مقارنة بالعام الذي سبقه. ويُعزى هذا الانخفاض جزئيًا إلى انخفاض عمليات الكشف في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

وبالتوازي مع ذلك، انخفض عدد الإدانات في جرائم الاتجار بنسبة 27% خلال الفترة نفسها، مما أدّى إلى تدعيم توجّه طويل الأجل سجّله مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة منذ عام 2017. وكانت المناطق المتضرّرة التي سُجِّل فيها انخفاض ملحوظ للإدانات، جنوب آسيا (56%)، وأمريكا الوسطى ومنطقة الكاراييب (54%)، وكذلك أمريكا الجنوبية (46%).

 

ووفقًا للتقرير، فمن المحتمل أن يكون الوباء قد أضعف من مقدرة قوات الأمن على الكشف عن الضّحايا، رغم أنّه قلّل من فرص تحرّك المتاجرين. وقد صرّحت غادة والي، المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتّحدة المعني بالمخدرات والجريمة: “لا يمكننا أن نسمح للأزمات بمضاعفة الاستغلال”. وشدّدت على ضرورة قيام الأمم المتّحدة ومجتمع المانحين بدعم السّلطات الوطنيّة، وخاصّة في البلدان النّامية، للتّصدّي لتّهديدات الاتّجار بالأشخاص وتحديد الضّحايا وحمايتهم، خاصّة في حالات الطوارئ.

 

كما أظهر التّقرير انخفاضًا في حالات الاتّجار من أجل الاستغلال الجنسي أثناء الوباء، سببه إغلاق الأماكن العامّة. غير أنّ القيود المفروضة بسبب الوباء، قد تكون دفعت هذا الشكل من أشكال الاتّجار إلى النّشاط في أماكن أكثر سرّية وأقلّ أمانًا، ممّا يجعل تحديد الضّحايا أكثر صعوبة.

 

ويكشف تحليل الملفّات القضائيّة في المحاكم الواردة في التقرير كذلك أنّ معظم ضحايا الاتجار بالأشخاص، يتمكّنون من الفرار من المتاجرين بوسائلهم الخاصّة ويسلّمون أنفسهم طواعية للسّلطات. وهو ما يعرف “بالإنقاذ الذاتي”، ويمثلون 41% من الضحايا. بينما كان للسّلطات

الأمنيّة دور في الكشف عن 28% من الضّحايا، فيما 11% أُنقِذوا بفضل محيطهم الأسري والمجتمع المدني.

هذه الأرقام مقلقة بشكل خاص لأنّ العديد من ضحايا الاتجار بالبشر لا يُعرِّفون أنفسهم كضحايا للاتِّجار أو قد لا يُقدِمون على الهروب خوفا من مستغلّيهم.

 

 

الدولة: كل الدول

القطاع: لا يوجد

الانتهاكات: عمالة الأطفال، الإتجار بالبشر