فلسطين: جدل كبير حول مقترح قانون جديد للضمان الاجتماعي

احتجاجات كبيرة اندلعت ضد قانون الضمان الاجتماعي في جميع أنحاء البلاد في عام 2019. 

© الجزيرة

 

وجرت في عام 2016 محاولة ثانية لسنّ قانون للضّمان الاجتماعي، لكنّ سرعان وجهّت إليه انتقادات، نظرا لعدم استشارة النقابات العمالية والقطاع الخاص أثناء صياغة النص، على الرغم من التحسينات التي تضمّنها، لا سيما فيما يتعلق بإجازة الأمومة.

علاوة على ذلك، تثار تساؤلات بشأن المعاش التقاعدي، خصوصا حول إحتساب السنوات المقضاة في الحبس. ويعود جانب من الاعتراض على هذا القانون إلى القطاع الخاص، حيث أن إنشاء صندوق للضمان الاجتماعي الفلسطيني يقوم على وجود مساهمة إلزامية لا يستطيع أغلب القطاع الخاص دفعها، تمامًا مثل الزيادة بنسبة 16% في الأجور التي هي أساسا أدنى من الحدّ الأدنى الرسمي للأجور.

 

وحول مشروع القانون الجديد للضمان الاجتماعي، نظم معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني، بالشراكة مع وزارة العمل، والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين واتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية الفلسطينية، سلسلة من لقاءات النّقاش. وفي الجلسة الافتتاحية التي انعقدت في رام الله يوم 10 مايو/أيار الماضي، أوضح وزير العمل نصري أبو جيش أنّ جائحة كوفيد-19 والوضع الاجتماعي للأشخاص الذين ما عادوا قادرين على العمل بسبب أعمارهم أو صحّتهم، زادت من تصميم الحكومة على إنشاء نظام للضمان الاجتماعي يستفيد منه حوالي 650 ألف عامل في السوق المحلية وما يقرب من 200 ألف عامل داخل الخط الأخضر.

 

التعديلات الرّئيسية في قانون الضمان الاجتماعي

 

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، تم وضع وتوقيع مشروع قانون من قبل الحكومة وممثلي النقابات العمّالية وممثلي أصحاب العمل. واحتوى نص المشروع 42 تعديلاً على النص القديم المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي، بما يوسّع مجال تطبيقه، الذي سيشمل مستقبلا تأمين الشيخوخة، والتأمين للعجز، والتأمين عند الوفاة الطبيعية، والتأمين على الحوادث، وتأمين الأمومة، والتأمين ضدّ البطالة، والتأمين على المرض والتأمين الصحي والمنح العائلية والمعاش التقاعدي التكميلي الاختياري.

 

وأصبح بذلك النص الجديد، ينصّ على أنّ تحويل تعويض نهاية الخدمة للموظفين في القطاع الخاص لا يتم عبر صندوق الضمان الاجتماعي، بل سيتم دفعه مباشرة إلى المستفيدين، شريطة وجود اتفاق بين الموظف وصاحب العمل تحت إشراف وزارة العمل. وتوضح المادة 11 من مشروع القانون المتعلق بإنشاء مؤسّسة الضمان الاجتماعي، أنّ أموال هذه المؤسّسة إلى جانب صناديق التأمين ستخضع لرقابةديوان الرقابة المالية والإدارية وهيئة مكافحة الفساد.

 

وحددت المادة 50 من مشروع القانون شروط منح معاش التقاعد الإجباري. وبحسب هذه المادة، من حقّ المنتسب المؤمَّن عليه الحصول على هذا المعاش شرط  أن يستوفي الشروط التالية: أوّلا، أن يبلغ سن الستين. أمّا إذا كان عمر المنتسب أقل من 21 عامًا عند دخول هذا القانون حيز التنفيذ، فإن استحقاقه لمعاش التقاعد الإجباري يكون في سنّ 63 عامًا. ويتمّ الترفيع في سقف العمر بسنة واحدة كل 15 عامًا بالنسبة لجميع المنتسبين . بالإضافة إلى ذلك، يجب ألاّ يقل إجمالي الإقتطاعات الشهرية التي يدفعها المنتسب عن 180 قسطا لاستحقاق المعاش التقاعدي. كما تمّ تعديل المادة الثانية من نفس القانون لتشمل حقّ التقاعد المبكر في حالة التوقف عن العمل. ووفقًا لهذا التعديل، يصبح من حق المنتسب التقاعد المبكر في سن 55 عاما. أمّا إذا كان للشخص المنتسب من العمر أقل من 21 عامًا عند دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، فإنّ سن التقاعد المبكر يصبح 58 عاما. تهدف هذه التعديلات إلى توفير إمكانيات للتقاعد المبكر تتلائم مع الأوضاع المختلفة للمنتسبين المؤمَّنين.

 

فضلا عن ذلك، تمّ إدخال نظام جديد لإدارة أموال موظفي الخط الأخضر والشركات الإسرائيليّة. ويتمتّع هذا الجهاز الجديد بمجلس إدارة مستقل، عن المؤسّسة الرئيسية.

 

استمرار التحفظات رغم الحوار والمشاورات

 

لاحظ وزير العمل الفلسطيني، نصري أبو جيش، إلى أنّ جميع البنود الجديدة مفتوحة لمقترحات كل المواطنين الفلسطينيين وأنّ الحكومة تتعهد بأخذ جميع الملاحظات المقدمة إليها بعين الاعتبار. وأشار الوزير إلى أنّ المداولات ستجري على مدى شهرين حرصا على مزيد من الجدوى. والهدف من ذلك هو الوصول إلى إجماع لا يقل عن 70% قبل تقديم النص الجديد للمصادقة.

 

وفي الوقت ذاته، لا يزال النص مبعثا لقلق أولئك الذين يشيرون، أولاً وقبل كل شيء، إلى طابعه النيوليبرالي، نظرا إلى أن الأمر متعلق بنظام ضمان اجتماعي خاصّ تديره السلطة الفلسطينية دون أن تكون لها أي مساهمة فيه. وعلاوة عن عدم ثقة الفلسطينيين في السلطة، فإن هذا النظام لا يضمن حماية اجتماعية دائمة. إذ أنّ الضمان الاجتماعي سيكون عرضة لتقلبات السوق وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة . بل إنّ سلطات الاحتلال تملك القدرة على شلّ الاقتصاد الفلسطيني في يوم واحد من خلال الغارات العسكرية أو ببساطة عن طريق فرض حظر التجول. وحتى في أوقات الاستقرار النسبي، فإنها تحكم سيطرتها على الحدود والرسوم الجمركية الفلسطينية ، إلى جانب حصة من التجارة والموارد الطبيعية.

 

ويشير المعارضون للنّصّ أيضًا إلى أن الفوارق في الأجور بين مختلف مناطق فلسطين ، وخاصة بين قطاع غزة والضفة الغربية ، يمكن أن تطرح أيضًا مشكلة خطيرة في إدارة الأموال وتؤدي إلى توزيع غير عادل للموارد والمزايا.

 

وعلى الرغم من هذه الاحترازات، تواصل الحكومة المشاورات والحوارات. حيث اجتمع وزير العمل مؤخّرا مع العديد من ممثلي المنظمات النّقابية، ومنظمات أصحاب العمل والمجتمع المدني في قطاع غزة. في الاجتماع، الذي عقد في 24 يونيو/حزيران، دعا 250 مشاركًا إلى إصدار وتطبيق سريع للقانون الجديد من أجل حماية مستقبل العمال وأسرهم. كما سجلت هذه المناقشات مشاركة خبراء اقتصاديين الذين أبرزوا الأدوات المهمة التي سيخولها هذا القانون الجديد. وهي أدوات ستتيح إدارة أفضل لمؤسسات الضمان الاجتماعي، وتدعيم للخدمات المقدَّمة، وتنظيم مساهمات الموظفين وأصحاب العمل، وكذلك وضع أنظمة محدّدة لاستحقاقات نهاية الخدمة والتقاعد. وقد سلطت هذه المناقشات الضوء على أهمية القانون الجديد وفوائده المحتملة لتحسين نظام الضمان الاجتماعي وحماية حقوق العاملين.

 

الدولة: فلسطين

القطاع: جميع القطاعات

الانتهاك: لا يوجد