المؤسسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة في تونس: قطاع يبحث عن الدعم للتغلب على التحديات الاقتصادية

المؤسّسة الصغرى أو الصغرى أو المتوسطة يقع تحديدها بعدد الموظفين فيها أو بميزانيتها أو رقم معاملاتها بحيث لا يتجاوز حدودا معينة، ويختلف تعريفها باختلاف البلدان والأنظمة المعمول بها فيها. ويتمّ الاحتفال باليوم العالمي للمؤسسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة في يوم 27 يونيو من كل سنة.

 

في تونس، لا يوجد تعريف محدّد معتمد للمؤسّسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة. وتختلف المعايير المستخدمة للتعريف، على ضوء النصوص القانونية والتنظيمية التي تضع

آليات الدّعم المخصّصة للمؤسّسات المتناهية الصغر والصغرى والمتوسطة. وقد اعتمد السجل الوطني للمؤسسات، الذي يشرف عليه المعهد الوطني للإحصاء، تعريفًا محدّدًا للأغراض الإحصائية لمختلف أنواع المؤسسات في تونس

وطبقا لهذا التعريف، تكون التصنيفات تكون كالتالي: المؤسسات متناهية الصغر، هي تلك التي توظف أقل من 6 أجراء، والشركات الصغرى هي تلك التي توظف ما بين 6 و49 أجيرا، والمؤسسات المتوسطة الحجم هي التي توظف ما بين 50 و199 أجيرا، وأخيراً، الشركات الكبرى هي تلك التي توظف أكثر من 200 أجير.

 

المؤسّسات التونسية متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة تواجه عوائق التمويل

 

تمثل المؤسسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة جزءًا مهمًا من النسيج الاقتصادي للبلاد، حيث تساهم في خلق فرص العمل وتنويع الأنشطة الاقتصادية. كما أنّ لها دورا حاسما أيضا، في الابتكار والقدرة التّنافسيّة وفي الحدّ من عدم المساواة من خلال توفير فرص العمل للسكان المهمشين.

 

وعلى الرغم من أهميّة، المؤسسات المتناهية الصغر والصغرى والمتوسطة فإنّها تواجه العديد من التّحديات الهيكلية. ويمثّل الحصول على التمويل هو أحد العوائق الرئيسية التي تواجهها، حيث تحدّ الشروط التقييدية للقروض البنكية والافتقار إلى ضمانات قوية، من قدرتها على الاستثمار في تكنولوجيات حديثة، وتحديث بنيتها التحتية وزيادة قدرتها الإنتاجية، ممّا يعيق قدرتها التنافسية في الأسواق الوطنية والدولية.

وقد بيّن مسح أجراه البنك الدّولي، أنّ عدم الحصول على تمويلات هو العقبة الرئيسية بالنسبة لـ 21.9% من المؤسسات التونسية المتناهية الصغر والصغرى والمتوسطة في عام 201، وبلغت 43.9% في عام 2020. أمّا المؤسّسات التي لديها إمكانية الحصول على التمويل فقد أسندت إليها قروض قصيرة الأجل، وذلك راجع إلى نقص السيولة طويلة الأجل في القطاع المصرفي. ويرجع ذلك بالخصوص إلى التطوّر المحدود للأسواق المالية ومؤسسات الادخار التعاقدي في تونس، والتي تشكّل المصادر الرئيسية للتمويل طويل الأجل في العديد من الأسواق الناشئة.

 

وفقًا للجمعيّة التونسيّة للمستثمرين في رأس المال، فإن لمشكلة الحصول على التمويلات، انعكاسات كبيرة على سوق العمل، من ناحية أنّ العديد من المؤسّسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة تضطر بشكل متزايد إلى تسريح موظفيها حتّى تحقق التوازن في مواردها المالية. وعلى الرّغم من أنّ رأس المال الاستثماري للمشروعات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة في تونس يصل إلى 2.7 مليار دينار، أي حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلاّ أنّ التعافي الذي كان منتظرا في شهر يناير، 2020 تباطأ بسبب جائحة كوفيد-19.

 

وأظهرت دراسة أعدّها البنك الدولي والمعهد الوطني للإحصاء في يوليو 2020 بين 2500 شركة من قطاعات استراتيجية مختلفة أنّ 44% من هذه الشركات تنتمي لقطاع

التجارة، و18.4% إلى الخدمات، و15% للنقل، و6.5 % إلى الصناعات التحويلية، و5.9% إلى خدمات المطاعم والإيواء، و2.8% للمنسوجات والجلود، و2.3% للصحة.

ومن بين هذه المؤسّسات هناك 14.9% مؤسسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة، ولكن بالخصوص هي من فئة المؤسّسات الصغرى، في حين أن 5.9% منها شركات كبيرة. وعلى صعيد حجم المعاملات، عرفت 88.8% من الشركات التي شملها الاستطلاع انخفاضاً، باستثناء 14.8% من قطاع الأدوية.

وكانت المؤسسات المصدرة هي الأكثر تضرّرا، حيث انخفض حجم معاملاتها بنسبة 93.3 % مقابل 88.8% لغير المصدرة. بالإضافة إلى ذلك، سجلت 69.8% من الشركات انخفاضًا في ساعات العمل.

 

علاوة على ذلك، تواجه المؤسّسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة التونسية أعباء ضريبية مرتفعة، ممّا يحدّ من قدرتها على النّمو والازدهار. فارتفاع معدلات الضرائب والرّسوم المتعدّدة الموظّفة، والتكاليف الإدارية المرتبطة بالامتثال الضريبي تشكل ضغطًا ماليا هائلا على تلك المؤسّسات. ونتيجة لذلك، تكافح العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على ربحيّتها، وتضطرّ مجبرة إلى إغلاق أبوابها في ظرف عامين من النشاط.

وفيما يتعلّق بالتمثيل النقابي، ونظرا إلى أنّ هذه المؤسّسات نظرا لطبيعة نشاطاتها، توظّف عددًا محدودًا من الموظفين، فإنّها غالبًا ما تدعو الهياكل النّقابيّة إلى استثناءها من قاعدة الحدّ الأدنى المطلوب لعدد العمّال للتمكّن من تشكيل نقابة أساسية فيها.

 

تعزيز التوسّع في المؤسّسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة في تونس: المقاربات والإجراءات الممكنة

 

على الرغم من تنفيذ الحكومة جملة من الإجراءات كإقرار الإعفاء الضريبي أو التخفيض الضريبي، فإنّ المؤسّسات المعنيّة لم تشهد تحسنا في أوضاعها، وهو ما يتناقض مع انتظارات توفير السيولة النقدية. وقد استفادت من تدابير الدّعم بشكل أساسي، الشركات الكبرى بنسبة 48.8%، كما استفادت بنسبة 28% الشركات المصدّرة، وبنسبة 23.6% قطاع البناء، وبنسبة 9.4% فقط الشركات غير المصدّرة.

واختارت 12.5% من هذه الشركات، رقمنة الخدمات والعمل عن بعد لمواصلة نشاطها. على الرّغم من تأثير كوفيد-19، ولا تزال 64.2% من المؤسسات التي شملها الاستطلاع متفائلة، حتّى أنّ 58.8% منها تتوقّع نمو الاستثمارات في الأشهر المقبلة.

 

إنّ من بين التدابير التي من شأنها تعزيز نمو المؤسسات التونسية متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة، منحها بالضرورة، قروضا تمويلية إلى جانب تسهيل العلاقات التجارية من أجل تعزيز شبكتها. ويضطلع ممثلو القطاع الخاص بدور رئيسي في وضع خطّة استراتيجية موجّهة للمشروعات المتناهية الصغر والصغرى والمتوسطة.

 

كما يجدر بالاستراتيجية الإنمائية الوطنية أن تتّجه إلى إزالة أو تقليص الحواجز والثغرات التي تواجهها هذه المؤسسات. ولذلك، فمن المفيد ربط قنوات الاتصال بين المؤسسات التونسية متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة ومستثمرين أجانب، مما سيساعدها على التغلب على المعوّقات التي تعثّرها. كما سيسمح لها ذلك بالاندماج بشكل أفضل في سلاسل التوريد العالمية ويكون باعثا على خلق المزيد من فرص العمل.

 

في فبراير الماضي، وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدّولي على قرض بقيمة 120 مليون دولار لتونس لتمويل مشروع مساندة الشركات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة لتحقيق الانتعاش الاقتصادي. ويهدف هذا المشروع إلى معالجة مشاكل السيولة التي تواجهها المؤسّسات التونسية من خلال توفير تمويل طويل الأجل في شكل تسهيلات ائتمانية. وستتولى وزارة المالية اسناد تسهيلات الائتمان هذه إلى المؤسسات المالية المشاركة، التي بدورها ستستخدمها لإقراض المؤسّسات متناهية الصغر والصغرى والمتوسطة المؤهلة.

 

وفي هذا الإطار، أوضح ألكسندر أروبيو، مدير عمليات البنك الدولي في تونس، أن “الشركات الصغرى والمتوسطة تلعب دورًا رئيسيًا في الاقتصاد التونسي. وقد أدت جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا إلى اختلال الاقتصاد الكلّي في تونس، ونتج عنه تفاقم التحديات التي تواجهها المؤسسات الصغرى والمتوسطة وضعف أدائها وعافيتها المالية “.

ولمجابهة هذه الصعوبات، يعتزم المشروع وضع خطين للائتمان. يتمّ تخصيص الخط الأول، البالغ 24.5 مليون دولار، لإعادة جدولة القروض الممنوحة المستحقّة على الشركات الصغرى والمتوسطة القابلة للاستمرار، عن طريق تمديد آجال السّداد لتخفيف أعباء ديونها. أمّا خط الائتمان الثاني، البالغ 93.7 مليون دولار، فسيخصّص لتقديم قروض جديدة طويلة الأجل للشركات الصغرى والمتوسطة التي تتمتع بمقومات الاستمرار.

 

ولمساندة تنفيذ هذا المشروع، ستتجه الجهود نحو تحديث الشركة التونسية الضمان. وقد تمّ وضع برامج المساعدة الفنية ومذكرة تفاهم بين وزارة المالية والبنك المركزي التونسي بهدف تدعيم الحوكمة والرقابة في هذه المؤسسة.