اعتمد العراق مؤخّرا قانونا جديدا للتقاعد والضمان الاجتماعي يهدف لتحسين ظروف العمل بالنسبة لموظفي القطاع الخاص من خلال إعطائهم الحق في التقاعد مثل ما هو معمول به في القطاع العام الذي يعاني من تضخّم في عدد الموظفين وكتلة أجور تزداد حجما يوما بعد يوم.
منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، فتحت الحكومات العراقية المتعاقبة بالفعل الباب على مصراعيه للتوظيف في القطاع العمومي، ممّا جعله بذلك عنصرًا مركزيًا في الحملات الانتخابية لمختلف الأحزاب. وقد أدّى ذلك إلى زيادة عدد موظفي القطاع العام من 850 ألفًا في عام 2003 إلى حوالي 4.5 مليون، بكتلة أجور تقارب 46 تريليون دينار عراقي (31 مليار دولار) سنويًا.
قانون رقم 39 لسنة 1971: نص قديم وقصور في الأحكام
تعرّض قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 النافذ حالياً لعدّة انتقادات؛ إذ تعتبر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في العراق، على سبيل المثال، أنّه لا يجاري التطوّرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي رافقت حياة العاملين في العراق. فالرواتب التقاعدية للعاملين في القطاع الخاصّ والتعاوني والمختلط، في الواقع، منخفضة للغاية ولا تلبّي الحد الأدنى من متطلبات حياة كريمة، مما يجعل الإسراع باعتماد قانون جديد للتقاعد والضمان الاجتماعي، أمرا متأكّدا.
وبالفعل فإنّ هذا النص لم يعد يتماشى مع التشريعات الوطنيّة ومعايير العمل الدولية، كما أنّه لا يستجيب للمتطلبات التي تفرضها التطورات في مختلف قطاعات العمل، بالإضافة إلى الصعوبة في مواكبة التطور الديموغرافي للبلاد، ممّا خلق مشاكل في تمويل نظام التقاعد وأدّى إلى قصور في الخدمات المقدّمة لعدد كبير من العاملين. أضف إلى ذلك أنّ القانون الحالي لا يشمل جميع العاملين، نظرا لأنّه ينطبق على الأجراء دون سواهم، ولا يغطّي فئة العاملين لحسابهم الخاص أو العمّال المؤقتين. ممّا يعني أنّ العديد من العاملين لا تشملهم خدمات الضمان الاجتماعي، ويمكن أن يجعلهم هذا ضعفاء في صورة التعرض لحادث أو مرض.
وفضلا عن ذلك، يقوم نظام التقاعد الحالي في العراق على نظام مزايا محدّدة، يتمّ احتسابها على أساس فترة الخدمة والتأجير. وأفضى ذلك إلى حالة أصبحت فيها الاستحقاقات غير متناسبة مع الاشتراكات المدفوعة، متسبّبة في اخلالات مالية كبيرة في نظام التقاعد.
وأدّت البيروقراطية الثقيلة والفساد في إدارة نظام الضمان الاجتماعي إلى كثرة التأخير في معالجة ملفات المطالب ودفوعات غير ملائمة للاستحقاقات. حيث يمكن أن ينتظر المستفيدون شهورا أو حتى سنوات قبل أن يتسلموا مستحقاتهم، ممّا قد يتسبّب في عواقب مالية وخيمة على العمّال وأسرهم. و ينضاف إلى كل هذه الاخلالات واقع أنّ شركات القطاع الخاص تتجنب اشتراك موظفيها في الضمان الاجتماعي، بينما العاملون – وفي سياق انخفاض قيمة الأجور- ، غير قادرين على دفع المساهمات اللازمة للاشتراك. لذلك فليس من المستغرب ألاّ يجد العمال الذين يبلغون سن التقاعد، أو الذين يصابون بالعجز أو المرض أيّ ضمان أو حق.
وبحسب بيانات وزارة التخطيط، بلغ عدد العاملين المشتركين في الضمان الاجتماعي عام 2020 نحو 180528، ينشطون في 46239 مشروع خاصّ وتعاونيّ. ووفقا لمصدر آخر، يوجد حاليا حوالي 284000 عامل مشمول بالضمان في العراق، منهم 18000 فقط متقاعدون يتلقون معاشا تقاعديا، بينما لا يزال 140000 عامل يدفعون أقساط اشتراكهم. هذا الرقم أقلّ من التقديرات الرّسمية لصندوق التقاعد للعاملين في القطاع الخاص، مقارنة بالعدد الاجمالي للقوى العاملة (حوالي 6.5 مليون شخص) من غير موظفي القطاع العام (حوالي 3.5 مليون).
النص الجديد بين المساهمات ومعضلة التمويل
منذ سنة 2015، بذلت العديد من الجهود لإصدار قانون جديد للضمان الاجتماعي ليحلّ بدل القانون القديم. وعلى الرّغم من أن الهدف الرئيسي للحكومة هو التقليل من دعم الدولة لصندوق تقاعد العمال وميل الشباب إلى القطاع العام، إلاّ أن وزارة العمل تؤكّد أنّ المشروع الجديد يسعى قبل كل شيء إلى تحسين حماية جميع فئات العاملين.
وتؤكّد وزارة الصناعة والثروة المعدنية أنه بفضل القانون الجديد، سيتمّ رفع الحدّ الأدنى للمعاش التقاعدي إلى 350 ألف دينار عراقي (حوالي 250 دولاراً). كما سيشمل القانون العاملين لحسابهم الخاص. إذ يصبح بإمكان أي شخص يرغب في الانخراط في الضمان الاجتماعي القيام بذلك عن طريق دفع الاقتطاعات اللازمة. ومن جهة أخرى ينصّ القانون الجديد على الحق في الحصول على معاش تقاعدي للرجل الذي له أقدمية 30 سنة من الخدمة ويبلغ من العمر 50 سنة، وللمرأة التي لها أقدمية في الخدمة 25 سنة ولها من عمر 50 سنة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ المرأة التي لديها ثلاثة أطفال ومدّة خدمة مضمونة تساوي 15 سنة سيكون بإمكانها التقاعد دون تحديد للسنّ. وقد تمّ تحديد سن التقاعد للرّجال بـ 63 مع مدّة خدمة تساوي 15 سنة وبالنسبة للنساء أن يكون لهن من العمر 58 سنة. ويدفع صاحب العمل، مثل الدولة، مساهمات لا تتجاوز 16% من الرسوم.
هذه النسبة من الاقتطاع استنكرها اتحاد الصناعات العراقي بشدّة، مذكّرا أنّ الدّولة لا تدفع سوى 10% فقط من الرّسوم المستوجبة وأنّ المتقاعد من القطاع الخاص سيتقاضى أقلّ بكثير ممّا يتقاضاه المتقاعد من القطاع العام. وحسب المتحدّث باسم منظمة أصحاب العمل، فإنّ المتقاعد من القطاع الخاص سيحصل على 250 ألفًا، بينما يحصل المتقاعد من القطاع العام على 750 ألفًا، لنفس قيمة الرّاتب. ودعا الاتحاد الدّولة إلى المشاركة في المساهمات المقدّمة لفائدة العاملين في القطاع الخاص، مبرزا أنّ النّصّ في نسخته الراهنة من شأنه أن يؤثر بشدّة على الاستثمارات في البلاد. ويطالب أصحاب العمل أن تقتصر نفقاتهم على 9% من راتب الموظف.
ومن جهة أخرى، تستنكر النّقابات غياب حوار بنّاء بخصوص مشروع هذا القانون، الذي سيكون حاسمًا بالنسبة لمستقبل جميع العاملين في البلاد. وفي هذا الإطار أشار الاتحاد العام لنقابات العمّال في العراق إلى عدّة أوجه قصور تضمّنها النّص الذي «يمثل محاولة لإعفاء الدّولة من التزاماتها المنصوص عليها في المادة 30 من الدستور العراقي الحالي». ويستنكر الاتحاد بالخصوص تأخير السن القانونية للإحالة على التقاعد وكذلك الزيادة في مساهمات الموظفين.
وقد نظمت النّقابات العراقيّة ندوة، عدّدت في ختامها النقاط التي لها عليها تحفظات في النّصّ الجديد. ودعت ندوة النقابات والاتحادات العمالية العراقية، في بيان بتاريخ 5 أيار/ مايو، النواب البرلمانيين ووزارات الإشراف إلى النّظر في النّقاط التّالية حتى يكون القانون الجديد عادلا ومنصفا لجميع العمال:
• المحافظة على الحقوق والمزايا التي يمنحها قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 للعمال.
• منح المتقاعدين قبل وبعد عام 2007 جميع حقوقهم القانونية منذ تاريخ خروجهم على التقاعد.
• عدم زيادة قيمة مساهمة العاملين (من 5% إلى 7%).
• عدم زيادة سن التقاعد القانوني.
• الإبقاء على بدل غلاء المعيشة بنسبة 1% من المعاش التقاعدي عن كل سنة من سنوات الخدمة الفعلية.
• عدم حرمان المتقاعدين من الخدمات الاجتماعية العامة المباشرة وغير المباشرة على النحو المنصوص عليه في القانون المعمول به حاليًا.
• تعزيز دور النقابات العمّالية بمنحها حقّ تمثيل عادل في مجلس إدارة صندوق الضمان الاجتماعي وفي اللجان المختلفة التي سيتم تشكيلها وفق القانون الجديد.
• إحداث مساهمة دائمة من خزينة الدولة في موارد صندوق الضمان الاجتماعي وفق أحكام دستور 2005.
• إنشاء فرع مستقل لضمان حقوق الأمومة وضرورة مواءمة القواعد الواردة في مشروع القانون بهذا الخصوص مع القواعد المنصوص عليها في المادة 87 من قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 بشأن حقوق المرأة العاملة.
ولكنّ البرلمان صادق على القانون الجديد يوم 17 مايو الجاري، دون الأخذ بعين الاعتبار في القانون الجديد، الطلبات المقدّمة من المنظمات النقابية ومختلف مكونات المجتمع المدني.