العمال العرب يحتفلون بعيدهم السنوي في مناخ من عدم اليقين والشعور بالتهديد

من المغرب العربي إلى الشرق الأوسط، احتفل العمال العرب بعيدهم السنوي، رغم الظروف غير الملائمة. فبين التضخم وارتفاع معدلات البطالة والفقر إضافة إلى القمع الذي تتعرّض له مختلف النقابات العمالية، يجد العاملون العرب أنفسهم مهدّدين بتراجع خطير في حقوقهم ومكاسبهم، خصوصا أنّ السياق السياسي في بعض البلدان لا يوفّر حلولا لهذا الوضع.

 

فشل السياسات الاقتصادية في مواجهة الأزمات

على الرغم من أنّ جميع دول العالم تأثرت بالأزمة الاقتصادية، إلاّ أن الحلول التي تقدمها الحكومات العربية تلاقي صعوبة أكبر في تلبية الاحتياجات والمسائل اليومية الملحّة ; بين الارتفاع المستمرّ للتّضخم ولجوء بعض البلدان إلى القروض التي تقدّمها المؤسّسات المالية على غرار صندوق النّقد الدولي، ليجد العمال والعاملات العرب أنفسهم مهدّدين أكثر فأكثر في حياتهم اليومية.

في تونس، وعلى خلاف ما يصرّح به بعض المسؤولون، تسعى الحكومة إلى إبرام اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، رغم المطالب المشطّة التي تشترطها المؤسّسة المالية. وقد وجّه الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيانه بمناسبة الأول من مايو، انتقادا شديدا لإلغاء دعم المنتجات الأساسية (وهو إجراء من بين الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي)، مشدّدا على أنّ هذا سيؤثّر على الطبقات الشعبية، بينما ستؤدي الزيادة في الضريبة على القيمة المضافة إلى الإضرار بالشركات الصغرى والمستهلكين.

وفي هذا الإطار دعت المنظمة النقابية الحكومة إلى مراجعة السياسات الاقتصادية، في سبيل حماية الفئات الأشد فقرا والحفاظ على الاقتصاد الوطني. إلى جانب ذلك، ذكر الاتحاد العام التونسي للشغل أنّ الحكومة علّقت الحوار الاجتماعي، وجمّدت عمليّة التوظيف في القطاع الخاص، وعزمت على خصخصة بعض المؤسّسات العمومية وأخمدت صوت النّقابيين (باتخاذ إجراءات قضائية ضدّ بعضهم ومنع عديد الإضرابات والتظاهرات) بدعوى المحافظة على الإنتاج، كل ذلك بهدف تلبية طلبات صندوق النقد الدولي على وجه الخصوص.

 

ولا يختلف الحال بالنسبة لمصر حيث ندّد مؤتمر عمّال مصر الديمقراطي بـ “الإصلاحات الاقتصادية الأحادية” التي تفاقم معاناة العاملين والشرائح الأكثر فقراً في مواجهة أزمة غير مسبوقة. وأوضح مؤتمر عمال مصر الديمقراطي أنّ العمّال المصريين يجدون أنفسهم عاجزين في مواجهة متطلبات الحياة اليومية القاسية أمام التخفيض في قيمة الجنيه المصري، وندرة المواد الأوّلية، والتضخم غير المسبوق في البلاد.

 

 أمّا في موريتانيا، فقد رحب اتحاد العمال الموريتاني من جهته بـ “الزيادات الأخيرة في الأجور التي أقرّتها الحكومة وتعميم الرعاية الصحية على فئات معينة “،  لكنّه في نفس الوقت أكّد أنّ العاملين والعاملات الموريتانيين يطمحون للحصول على المزيد من الحقوق، بالخصوص منذ ” أصبح وضع الاقتصاد الوطني في تحسن مستمر” .  

وفي هذا الإطار، دعت الكونفدرالية الحرّة لعمال موريتانيا إلى مراجعة عاجلة  “لسلّم الرّواتب والتعويضات والمعاشات التقاعدية بحيث تلبي، على الأقلّ، الاحتياجات اليوميّة للعمال وأسرهم الذين يعيشون حالة من الهشاشة والفقر والإقصاء والحرمان ” ، شرطَ أن يعرض كلّ إصلاح جديد على حوار اجتماعي جاد وبناء..

 

قمع متزايد يعمّق أزمة قائمة

في مواجهة الأزمة، ارتأت بعض الحكومات الردّ بالقوة والقمع، مستهدفة القوى النقابية الرئيسية. وذلك هو الوضع في المغرب أين تستمرّ السّلطات في استهداف القادة النقابيين. وقد اغتنم الاتحاد المغربي للشغل عيد العمّال والمسيرات التي انتظمت بهذه المناسبة لتذكير الحكومة بضرورة الاستماع إلى المطالب النقابية المشروعة لا سيما أنّها نابعة من القوى المنتجة في البلاد، وهي التي تعاني وطأة الانخفاض الهائل في قدرتها الشّرائية.

وأوضح الاتحاد المغربي للشغل في بيان له أنّ نسب المشاركة المرتفعة في مختلف التّجمّعات التي انتظّمت في جميع مدن البلاد تقريبًا يجب أن تكون مؤشرا للحكومة على أهمّية حجم تمثيلية المنظمة النّقابية، مذكّرة السلطات في هذا الإطار بأنّ هذه التحرّكات ما هي إلّا محطّة في الرّوزنامة المطلبية للعمال والعاملات.

وفي الوقت ذاته في فلسطين، جدّد الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إدانة قوات الاحتلال لقيامها بإقامة حواجز جديدة تمنع العاملين الفلسطينيين من التنقل إلى أماكن عملهم بحرية وأمان. ونبّهت المنظمة النقابية إلى جميع المخاطر التي تهدّد العاملين لتوفير أسباب عيشهم، فيضطرون إلى اللجوء إلى الوسطاء للعثور على عمل، الأمر الذي يحرمهم من أبسط حقوقهم.

أمّا في اليمن، فقد دعا الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن من جهته إلى إعادة تفعيل الحوار الاجتماعي بين مختلف الشركاء، لإشراكهم في الجهود الهادفة إلى إنهاء الحرب ووضع حدّ للنزاع المسلح. واستنكر الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن استبعاد ممثليه من المجالس الإدارية للمؤسسات العامّة للضمان الاجتماعي والمعاشات والتأمينات الاجتماعية والتدريب المهني، مؤكّدا الضرر الذي سينعكس سلبا على العمّال والمستخدمين في ظلّ غياب الرقابة والمتابعة. وانتهزت المنظمة النقابية اليمنية مناسبة الأول من مايو للإشارة إلى تعرّض بعض مقرّاتها للاقتحام من قبل أفراد ينتحلون صفة نقابيين بينما هم لا يمتون بأيّ صلة للمنظمة. 

وفي العراق وبمناسبة عيد العمال، ذكر الاتحاد العام لنقابات العمّال في العراق في بيانه أنّ إرساء الديمقراطية وسيادة القانون في البلاد لا يمكن أن يتحقّق دون إشراك النقابات العمالية في عمليّة البناء. وأبرز الاتحاد العام نضال العمال العراقيين الذي كان السبب في الحفاظ على “الديمقراطية النقابية” من خلال منع السلطات من تحويل المنظمات إلى أدوات “تابعة”  . 

وجدير بالذكر أنّ جميع المنظمات النقابية الأعضاء في الاتحاد العربي للنقابات اغتنمت عيد العمال في الأول من مايو لإدانة الجرائم والفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني.