
أعلنت رئاسة الحكومة المغربية أنّ لجنة فنية مشتركة، مؤلّفة من ممثلين عن الحكومة والنقابات العمالية وأرباب العمل، عقدت اجتماعها الأول يوم الإثنين 17 أبريل، لدراسة مطالب الأجراء. وينتظر أن تقدّم اللجنة نتيجة أعمالها في أوائل مايو المقبل. وأوضح البيان أنّ المفاوضات التي جرت برعاية رئيس الحكومة عزيز أخنوش ستحاول إيجاد حلول لتحسين القدرة الشرائيّة لجميع المغاربة، بفضل تفكير مشترك يجمع كلّ الأطراف المعنية. وخلال هذه المفاوضات، التي ينتظر الإعلان عن نتائجها بمناسبة احتفالات عيد العمال 1 مايو، تؤكّد المنظمات النقابية المغربية على ضرورة خفض ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل، نظرا لما تشهده البلاد من تضخّم غير مسبوق.
وفي هذا الإطار كشف ميلودي مخارق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، أنّ الوفد النّقابي ركّز على ارتفاع الأسعار وتأثيراته على القوّة الشرائية، مقترحًا على رئاسة الحكومة إجراء تخفيض جزئي أو تدريجي في الضريبة على القيمة المضافة. وكشف الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل في تصريح أدلى به إلى صحيفة هسبرس أنّ رئيس الحكومة والوزير المفوّض المكلّف بالميزانيّة اعترفا أنّ الضريبة على الدّخل كبيرة، إنّما دون وعد، رغم ذلك، باتخاذ تدابير محدّدة في هذا الصّدد ، متذرّعين أمام هذه المطالب، بالوضع الاقتصادي الحرج على المستويين الوطني والدّولي إلى جانب المشاريع الكبرى التي هي بصدد الانجاز من قبل الدولة.
وذكّرت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل في بيان لها أنّ “الحوار الاجتماعي يجب أن يقدم تدابير ملموسة للحد من تدهور المقدرة الشرائية ومكافحة التضخم، من خلال تطبيق نتائج الاتفاق المبرم في أبريل الماضي لا سيما المتعلّق بالزيادة العامة في الرواتب واحترام الحريات النقابية ” .
ووفق ما أطلعتنا به مصادر نقابية، يوجد من بين المطالب الرّئيسية المقدّمة أيضا، رفع الحدّ الأدنى للأجور بنسبة 5%. لكنّ هذه المسألة يمكن أن تتسبّب في معوقات، نظرا لأنّ أصحاب العمل يضعون شروطا للموافقة على مراجعة قانون الإضراب وقانون العمل، بهدف إدخال قدر أكبر من المرونة على سوق العمل.
وأوضح الرئيس السابق للجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي محمد هيكش، في تصريح أدلى به لصحيفة”العربي الجديد”، أنّ المنظمات النقابية أيضا ستسعى لاحقا لإنفاذ الاتفاقيات التي تمّ إبرامها بين الشركاء الاجتماعيين، والمتعلّقة بمراجعة رفع الحدّ الأدنى للأجور في الصناعة والخدمات والزّراعة. إلاّ أنّ المسؤول النّقابي يؤكّد أنّه حتّى هذه الاتفاقيات نفسها لم تعد كافية لتحسين وضع الأجراء نظرا إلى أنّه، منذ تاريخ إبرامها في أبريل 2022، اتخذ التضخم أبعادًا لم يعد من الممكن مواجهتها بفعالية بالمحافظة على نفس هذه الاتفاقات.
وما انفكّ الخبراء يكررون إثارة هذه النقطة موضحين أنّه في سياق التدهور الملحوظ في ظروف العيش، يمكن للنقابات أن تطالب بزيادة عامّة في الأجور، اعتمادًا على واقع أنّ الزّيادة في الحدّ الأدنى للأجور، التي تمّ إقرارها سنة 2022، كانت تأثيراتها محدودة. كما أنّ الحكومة من جانبها قد تعارض زيادة عامّة للأجور نظرا لما قد ينجم عنها من اتساع للسياق التّضخمي. وفي هذا الإطار، يمكن للسلطات أن تقترح إعفاء بعض المكافآت والبدلات من ضريبة الدخل.
وقد كان مجلس الوزراء المغربي وافق في سبتمبر 2022، على الرفع من الحدّ الأدنى للأجور في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات بنسبة 10%. وينصّ الاتفاق على إعطاء هذه الزّيادة على مدى سنتين، 5% تسند في سبتمبر 2022 و5% أخرى في سبتمبر 2023.
تضخم غير مسبوق وغضب اجتماعي متزايد

وفقا للمندوبية السامية للتخطيط، ارتفع معدل التضخم في الربع الأول من سنة 2023 إلى 9.4%، مقارنة بـ 4% في نفس الفترة من العام الماضي. وتفاقم هذا التضخّم بسبب ارتفاع أسعار الموادّ الغذائيّة التي بلغت 18.2% خلال شهر رمضانّ، حيث يرتفع الاستهلاك بشكل عام. ومن ناحية أخرى، شهد النّمو الاقتصادي انتعاشًا كبيرًا، حيث ارتفع بنسبة 3% في الرّبع الأول من عام 2023، مقابل 0.3% فقط في العام السابق، حسب إفادة المندوبية السامية للتخطيط.
وعلى الرغم من ذلك، رفع البنك المركزي المغربي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 50 نقطة أساس إلى 3% في 21 مارس لمجابهة ارتفاع الأسعار، الذي يؤثر بشكل خاص على الأسر المتواضعة الحال والضعيفة. و يمثل هذا القرار ثالث زيادة تحدث منذ سبتمبر 2022 وهو يتعارض مع خارطة الطريق الحكومية التي تهدف إلى تحقيق تعاف اقتصادي.
هذه المؤشّرات الاقتصاديّة أدّت بشكل ملموس إلى قيام ثورة اجتماعية. ففي أوائل أبريل، شارك سكان ما يقرب من 50 مدينة مغربية في مظاهرات للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية. هذه المظاهرات نظّمها ائتلاف أحزاب سياسية يسارية ومنظمات نقابية. وفي الدار البيضاء، تجمّع 60 شخصًا بساحة السراغنة في حي شعبي بالمدينة للتعبير عن سخطهم من غلاء المعيشة.
كما جاب آلاف المواطنين المغاربة شوارع الرّباط في ديسمبر 2022، للتنديد بغلاء المعيشة والقمع السياسي. وأعطت الجبهة الاجتماعية المغربية، التي تضمّ أحزابا سياسية يسارية ونقابات عمّالية، شارة الانطلاق لتحركات اجتماعية قطاعية لا تزال تلقي بضلالها على الحياة السياسية المغربية.
وفي مذكرة منشورة في نهاية سنة 2022 ، ذكرت المندوبية السامية للتخطيط، أنّ جائحة كوفيد 19 والتّضخم أعادا المغرب إلى مستوى الفقر والهشاشة الذي كان يعرفه في عام 2014. في هذا البلد، حيث لا تزال أوجه عدم مساواة الاجتماعيّة والجهويّة موجودة، وأثّر ارتفاع الأسعار بشكل خاصّ على القدرة الشرائية للأشخاص الأكثر فقرا والطبقة المتوسّطة.
وفي مواجهة تصاعد الغضب الاجتماعي، تواصل الحكومة ذات التّوجّه الليبيرالي لرجل الأعمال عزيز أخنوش ابراز “سياستها الاجتماعية” مستدلّة بتعميمها التّغطية الطبيّة على جميع فئات المجتمع. ولكنّها رغم هذه الحجّة، تلاقي رفضا متزايدا من قبل مغاربة الذين يجدون أنفسهم بلا حول ولا قوة في مواجهة التضخم وأشكال متعددة من قمع التحركات السياسية والنقابية.