فلسطين : عمال الحجارة لقمة العيش يحفها المخاطر

بيسان مصطفى/عضو شبكة الاعلاميين النقابيين 

فلسطين- يعتبر قطاع الحجر و الرخام او ما يطلق عليه الذهب الابيض أحد اهم وأكبر القطاعات الصناعية القائمة في فلسطين، نظرا لتنوع الطبقات الصخرية, والقدرة على تقديم تشكيلة واسعة من منتجات الحجر و الرخام بمختلف الألوان و الأصناف ، وما يشكله من نسبة كبيرة في الناتج القومي. احد اعمدة هذا القطاع منشآت المقالع والكسارات ومناشير الحجر التي يعمل بها الالاف، يعلمون في ظروف صعبة وخطرة الامر الذي يؤدي الى اصابات بينهم ، اضافة الى انتشار الامراض خاصة التي تصيب الجهاز التنفسي وغيرها من اعضاء الجسم.

 

الشاب اسيد مرعي في العشرينات من عمره، من محافظة جنين شمال الضفة الغربية، لم يتوقع ان ينتهي به المطاف الى الجلوس في المنزل لشهور ، بعد تعرضه لاصابه خلال عمله في احد مناشير الحجر ، ادى الى كسر في الساق. مرعي الذي خضع لعملية جراحية ووضع له الاطباء بلاتين في ساق العظم، اصبح يعاني من اصبة ربما تعيق عمله في امور تحتاج الى جهد كبير، اسوة بغيره ممن يعملون في قطاع الحجر والمقالع والمناشير التي تشتهر بها فلسطين خاصة في محافظات جنين ونابلس الخليل.

عدد من العاملين في هذا القطاع لقو مصرعهم نتيجة هذا العمل الشاق، خلال شهر رمضان لقي احد العمال في منشار للحجر بلدة جماعين جنوب نابلس شمال الضفة الغربية، مصرعه بعد أن سقط عليه حجر كبير اثناء عمله في ساعات المساء عقب تناوله افطاره، وكان عدد من افراد عائلته قضو بذات الطريقة ومنهم من تعرض لاصابات بالغة الخطورة. قطاع المناشير والحجر غير منظم مصطفى حنني عضو لجنة تنفيذية للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين وسكرتير دائرة الصحة والسلامة المهنية، قال قطاع الحجر والمناشر غير منظم لا يوجد رقابة حقيقة من قبل الجهات الرسمية والخطورة ليس فقط في المناشير، ايضا في موضوع الكسارات ومقالع الحجر وهذه سببت كوارث كبيرة وتركت اثرا بيئيا سئيا على المناطق المتواجده فيها عدا عن اصابات العمل والامراض المهنية المتعددة.

واضاف من خلال حملاتنا التفتيشة والجولات نرصد المخاطر بالمعنى على اساس يتم معالجتها من قبلنا وبالشراكة مع الاتحاد العام لقطاع الحجر، لكن للاسف لا يوجد استجابة من اصحاب العمل لهذا الجانب لانه في ضعف التفتيش من قبل وزارة العمل . نصف المنشآت غير مسجلة واشار حنني الى ان عدد المنشآت المسجلة بشكل رسمي لا يتجاوز 800 منشأة ، وغالبية المناشير تخضع للعمل العائلة اي من يعملون بها هم عائلة واحدة، في حين تجاوز عدد الكسارات الـ 35 كسارة . واكد ان عدد قليل ونسبي من هذه المنشآت تقوم بتوفير ادوات السلامة، وهي لا تزيد عن 2% من حجم المنشات ، اضافة الى عدد من المخالفات فهناك من يقودون شاحنات او اليات هم في سن الـثامنة عشر واقل لا يملكون رخص قيادة لمركبات عدد منها غير مرخص اصلا. حالة وفاة واحد وامراض كثيرة تصيب العاملين بالقطاع .

وقال حنني انه بالتنسيق مع وزارة الصحة تم تنظيم فحص طبي للعمال من خلال ثلاث جولات في محافظة نابلس شمال الضفة ، حيث تم فحص 145 عاملا، تبين ان هناك 117 عاملا مصابين بامراض متعددة تصل الى التحجر الرئوي من الغبار، اضافة الى الصم وضعف في السمع، وامراض اخرى ضيق التنفس والام الظهر والعضلات. وشدد على ضرورة تنظيم العلاقة مع اصحاب العمل بشكل مباشر وعلى الجهات الرسيمة ان تاخذ دورها بشكل صحيح، و يجب المتابعة في قضايا المخالفين وغير المصوبين اوضاعهم . واشار الى انه في العام 2016 سجلت حالة وفاة عامل واحد، و446 اصابة عمل، منها اربع حالت فيها عجز جزئي والباقي اصابات ادت الى عطل عن العمل لايام، في حين سجلت في العام 2015 حالتي وفاة داخل هذه المنشآت. وتساءل لماذا لا يوفر صاحب العمل ادوات الحماية ليس فقط الخوذة وحذاء ولباس، بقدر ما عليه توفير امور لها علاقة بتنظيم المنشاة، من سواتر على المنشار، ووضع الكهرباء ومصادرها في مكان امن؟. ساعات العمل تفوق القانوني واضاف حنني ان بعض العمال في هذا القطاع خاصة من يقومون بـ دق الحجارة عرضة للاشعة الشمس طوال النهار ويعملون لساعات تقارب 14 ساعة، بينما عمال المناشير يعملون لـ 8 ساعات ومن المفترض ان يعملوا فقط 6.30 ساعات حسب قانون العمل الفلسطيني.

واوضح ان غالبية العاملين في هذا القطاع هم من الشباب ويتقاضون اجورا مرضية بالنسبة لهم . الامراض الناتجة عن مخلفات قطاع الحجر الدكتور محمد علي وهو طبيب عام في قرية جماعين قضاء نابلس شمال الضفة الغربية، التي تشتهر بكثر المقالع والمناشير، قال انه بالاضافة الى الاصابات الجسدية في المحاجر والتي تعبتر نسبتها كبيرة، ونحن في قرية جماعين والشهيرة بكثرة المقالع والكسارات والمناشير هناك اصابات بشكل شبه يومي، جزء كبير من العاملين بهذه المنشات اصاباتهم بالغة. واضاف ان الغبار الناتج عن هذه المنشآت يلوث الهواء بنسبة كبيرة جدا ، الامر الذي يعني تفشي الامراض في جسم الانسان بشكل كامل و خاصة المتعلقة بالجهاز التنفسي، من الانف حتى اخر الشعب الهوائي؛ من تحسس الانف، الام في الحلق، مرض الربو خاصة بين الاطفال في المنطقة التي تنتشر فيها المنشآت ، ايضا تاثير على العين والاذن.

واكد علي ان نسبة الامراض والاصابات بين العاملين في هذا القطاع تفوق الـ 60% . الشروط البيئية لمناشير الحجر والرخام قرار مجلس الوزراء الفلسطيني رقم (25) لعام 2010م بشأن نظام الشروط البيئية لمناشير الحجر والرخام ومصانع البلاط والباطون الجاهز، حسب المادة (17 ) ، يلزم توفير وسائل الحد من الضجيج الناتج عن الأجهزة والمعدات أو أي نشاط داخل المنشأة، و توفير أدوات الصحة والسلامة المهنية للعمال والزبائن. وضع إشارات الإرشاد والتحذير من المخاطر، توفير وحدات صحية ومياه للشرب، وأماكن مناسبة لتناول الطعام، وأماكن تغير الملابس منفصلة عن بعضها البعض، تركيب وتوفير أجهزة وسائل الإطفاء، توفير ممرات كافية للانتقال ومخارج للطوارىء، توفير وسائل الإضاءة الطبيعية والصناعية الكافية للتهوية المناسبة. الذهب الابيض ذو حدين حاتم يمك امين سر اتحاد قطاع الحجر والرخام بفلسطين، قال ان هذا القطاع ذو حدين نعمة ونقمة فاذا احسن الاعداد له والتقديم فهو نعمة واغلى من الذهب وهو يطلق عليه الذهب الابيض. واضاف ان قطاع الحجر والرخام مستهدف كونه الوحيد يعتمد على المواد الخام والتي تعده من فلسطين والناتج عنه يصلح لفلسطين وغيرها من الاقطار، وهو بحاجة الى اهتمام اكثر خاصة على الجانب السياسي في ظل ما يواجهه من تصنيفات المناطق ا،ب،ج عقب اتفاق اوسلو من اسرائيل وحرمان الفلسطينيين من استغلال المناطق المصنفة ج.

واشار يمك الى ان قطاع الحجر والرخام كان يشغل اكثر من نصف الشعب الفلسطيني قبل العام 1967 وما يتبعه من مشاريع متعلقه به، موضحا ان تصنيفه على اللائحة العالمية من بين الدولة التي تشتهر بهذه الصناعة 13 ، في حين يصدر منتوجاته لاكثر من 70 دولة. واكد ان قطاع الحجر والرخام يشكل من الناتج المحلي ما نسبته 25% اي اكثر 400 مليون دولار سنويا، رغم المعيقات في طريقة استخراجه وتأجير الاراضي المستخرج منها الحجر قطاع بحاجة الي تنظيم اكثر وقال يمك ان قطاع الحجر والرخام بحاجة تنظيم اكثر وتعاون مع جهات الاختصاص، كونه يوفر الاف فرص العمل من الشباب، وهناك استعداد لتوفير لفرص عمل للمراة الفلسطينية. و اكد ان هناك حالات وفاة في هذا القطاع بشكل سنوي، اضافة الى اصابات تسبب العجز لبعض العاملين او فقدان الاطراف او الاصابع وغيرها؛ نتيجة قلة التدريب الخبرة ، في ظل نقص الايدي العاملة التي اتجهت الى العمل في السوق الاسرائيلي ، الامر الذي يعني جلب ايدي عاملة بدون خبرة او تدريب لسد الحاجة . وشدد على ضرورة وجود مراكز التدريب المهني لهذه المهنة الصعبة والشاقة، ومدى اهمية ايجاد مناطق صناعية من اجل تقليل الاصابات والاخطار، موضحا ان وجود مناطق صناعية يعني وجود مدرسة سلامة وصحة مهنية ووحدة تفتيش في كل منطقة ، وهذا من شأنه ان يقدم التوعية للعاملين في القطاع حول مخاطر هذه المهنة وكيفة الوقاية منها.