موريتانيا: خطاب للرئيس يستفز الموريتانيين

موريتانيا _ جدل واسع تشهده العاصمة الموريتانية نواكشوط، بعد خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز الأخير، الذي حدد فيه موعدًا لانطلاق الحوار من أجل تعديل دستور البلاد، ونفى فيه وجود العبودية في موريتانيا، مننتقدا السلوك الاجتماعي لشريحة الحراطين التي تعرضت للاسترقاق، ومعتبرًا أن تكاثرها يعيق جهود انتشالها مما تعانيه من أمية وفقر، الأمر الذي على أثره هاجمته المعارضة والحراطيين، ليعود  سجال العبودية من جديد في موريتانيا ليشغل الساحة السياسية والاجتماعية.

ولم يكد ينتهي خطاب الرئيس الموريتاني حتى ظهرت ملامحة الجدلية، حيث أكد الكثير أنه يؤرخ لمرحلة جديدة في البلاد تخرج منها رائحة الصدام السياسي، ففي أعقاب هذا الخطاب سارع الحزب الحاكم إلى عقد مؤتمر صحفي لتوضبح ملابسات ما أعتبرته المعارضة إساءة فادحة بحق شريحة واسعة من مكونات المجتمع.

المعارضة التي انتفضت في وجه الخطاب، رافضة تغيير الدستور وإهانة بعض مكونات الشعب بدل إنصافها، بحسب ما تقول لاقت النصيب، في حملة إعلامية يخوضها النظام الحاكم منذ أيام لشرح مضامين خطاب رئيس الجمهورية، حيث رأى النظام أنها عاجزة عن تقديم بدائل مقنعة للشعب الموريتاني، فاختارت اللعب على وتر الوحدة، ملوحًا بسجن بعد قادتها وبحل بعض أحزابها، خصوصًا حزب تواصل المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.

فبعد أن دافع سيدي محمد ولد رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم عن تصريحات الرئيس، وأكد أنها غير موجهة لشريحة بعينها، وبعد أن حمل في مؤتمر صحفي جميل منصور، رئيس حزب التجمع المحسوب على الإخوان، المسؤولية عن إساءة تأويل ما قاله الرئيس، لم يسلم الرئيس الموريتاني من الهجوم الحقوقي والإخواني، فيما طالبته الجمعيات التي تدافع عن حقوق المسترقين بالاعتذار.

من جهتها اعتبرت المعارضة تصريحات الرئيس محبطة، وقالت حركة الحر التي تدافع عن حقوق المسترقين: إن إنكار الرئيس للعبودية أمر مؤسف، وأكدت أن الحراطين ما زالوا يعيشون البؤس والشقاء؛ بسبب استمرار العبودية والجهل والفقر المدقع في سكان قرى آدوابه والأحياء الشعبية والصفيح في المدن.

 أما الأغلبية التي تمثل الحزب الحاكم، فقد ردت بإطلاق حملة لشرح مضامين خطاب الرئيس،  مؤكدين أن الرئيس الموريتاني يعني بكلامه هذا جميع المواطنين وليس شريحة الحراطين بعينها، معتبرًا أن مطالبة الرئيس للمواطنين بتنظيم النسل ليس عملًا سيئًا، و يرى المراقبون أن الحملة الحكومية الهدف منها تهدئة الرأي العام، بعد استياء الكثيرين من رؤية الرئيس ملفي العبودية والحوار الوطني.

 الحراطون كلمة ينسبها بعض المؤرخين إلى مرادف الحراثون، للدلالة على العبيد الذين اشتغلوا قبل قرون في الزراعة والحرث والبدر، ويطالب هؤلاء اليوم بالمواطنة الكاملة، ويحظون في مسعاهم بدعم أحزاب معارضة تقدم بعض قادتها مسيرتهم الاحتجاجية الأخيرة في نواكشوط ومدن موريتانية أخرى، ونجحت هذه الفئة في وضع ميثاق حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أبريل عام 2013.

والميثاق هو عبارة عن عريضة مطلبية تحليلية مطولة، تستقرئ تاريخ الحراطين في موريتانيا، ويؤكد في ديباجته «استمرار إقصاء هذه الشريحة» رغم مضي أكثر من نصف قرن من الاستقلال، ويرى الميثاق أن موريتانيا الدولة المتعددة الأعراق والثقافات بامتياز، لا تزال تفتقر لعقد اجتماعي جاد ومؤسس على قاعدة الانتماء المشترك لأمة موحدة،  ويعدد الميثاق في جوانب منه، مظاهر إقصاء أبناء الحراطين من مؤسسات الدولة، ويدرج مثالًا على ذلك الغياب الملحوظ للحراطين من أسلاك التوظيف بالقطاعين العمومي وشبه العمومي، ويقدم إحصاءات ومقارنات لواقع هذه الفئة في أجهزة الدولة، فأوضح أنه على مستوى غرفتي البرلمان الحالي لا يوجد سوى أقل من 10 برلمانيين حراطين من أصل 151 منتخبًا، فيما عُينت وزيرتان فقط من الحراطين في الحكومات الموريتانية المتعاقبة خلال الـ30 عامًا الأخيرة.