تصاعد ملحوظ في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال الفلسطينيين خلال الشهر الحالي

إسراء غوراني

مع اندلاع الهبة الأخيرة في الأراضي الفلسطينية عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة للاحتلال تزايدت وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ومن اللافت للنظر أن الأطفال من أكثر الفئات التي تتعرض لانتهاكات يومية متصاعدة من قبل الاحتلال، وأدت هذه الانتهاكات لوقوع إصابات خطيرة بين الأطفال، بالإضافة إلى تصاعد ملحوظ في وتيرة اعتقالهم، مما يسلط الضوء على الانتهاكات المتجددة بحق الأطفال وخرق القوانين الدولية التي تنص على حمايتهم.

وتشير الإحصائيات لدى نادي الأسير الفلسطيني إلى أن سلطات الاحتلال اعتقلت منذ مطلع الأحداث الأخيرة ما يزيد عن 150 طفلا، في حين بلغ إجمالي المعتقلين الأطفال حتى نهاية شهر تشرين ثاني الماضي 300 طفل، في حين تشير بيانات للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في وقت سابق من العام إلى أن عدد الأطفال المعتقلين حتى نهاية أيار من العام الجاري بلغ 331 طفلا، أي بزيادة نسبتها 62% عن معدل الأطفال الذين كانوا يحتجزون في السجون بين العامين 2012 و2015.

ومن أواخر الأطفال الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الطفلة عهد التميمي من قرية النبي صالح قضاء رام الله والتي اشتهرت بمواقفها ضد جنود الاحتلال الذين يقتحمون القرية باستمرار.

يقول والد عهد في حديثه لـالاتحاد العربي للنقابات إن عهد حاليا موجودة في سجن هشارون في الشمال، وتحتجزها إدارة السجون في قسم الأسيرات الجنائيات الإسرائيليات وليس في قسم الأسيرات الأمنيات الفلسطينيات، وستخضع لعدة محاكمات وما زالت تحت التحقيق.

وأشار إلى أن سلطات الاحتلال ترمي من خلال اعتقالها واحتجازها مع الأسيرات الجنائيات للضغط النفسي عليها وسحب اعترافات منها، بالإضافة لنية الاحتلال خلق جيل جديد مهزوم بفعل إجراءاته وممارساته القمعية والوحشية بحق الأطفال.

من جهته أشار عايد قطيش مسؤول برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال إن الفترة الأخيرة شهدت تصاعدا في انتهاكات الاحتلال بحق الأطفال وتحديدا في موضوع إساءة المعاملة والتعذيب وانتهاك الحق في الحياة، وخاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة للاحتلال.

ومما يدلل على تصاعد وتيرة الاعتقالات بشكل ملحوظ تحدث قطيش عن تزايد أعداد الأطفال في احد المعتقلات الإسرائيلية وهو معتقل عوفر قرب رام الله، منوها إلى أن 60 معتقلا من الأطفال كانوا يدخلون للمعتقل شهريا، بينما في الفترة بين 1- 19 كانون الأول الجاري تم إدخال 77 طفلا للمعتقل، وهذا مؤشر على تزايد حجم الاعتقالات بحق الأطفال الفلسطينيين.

وحول أهم الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال بعد اعتقالهم، أكد قطيش أن هناك سلسلة من الانتهاكات لحقوقهم تبدأ منذ لحظة اعتقالهم ومن ثم التحقيق معهم، حيث يتم الحصول على اعترافات منهم تحت الضغط والتهديد والترهيب وتستخدم هذه الاعترافات لإدانتهم في المحاكم العسكرية للاحتلال.

كما أن تصاعد الانتهاكات من قبل الاحتلال بحق الأطفال طال موضوع تزايد إصابتهم خلال المواجهات مع قوات الاحتلال، حيث يستخدم الرصاص المطاطي بكثرة باتجاههم وبشكل متعمد تجاه الأجزاء العلوية من الجسم مما أفقد العديد من الأطفال أعينهم، بالإضافة إلى استخدام هذا الرصاص من مسافة صفر مما يؤدي إلى أضرار كبيرة وبالغة في الجسم مما يؤثر على كافة مناحي حياتهم مستقبلا.

ومن الإصابات التي وثقتها الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال خلال الأحداث الأخيرة وتسببت بعاهات للأطفال حالة الطفل محمد الفراني (14 عاما) من قطاع غزة، الذي فقد عينه اليمنى جراء إصابته بقنبلة غاز مسيل للدموع في وجهه مباشرة، في الحادي عشر من كانون أول الجاري، خلال مشاركته في مسيرة منددة بإعلان ترامب على معبر بيت حانون.

كما أن محمد فضل التميمي (15 عاما) من محافظة رام الله تعرض لإصابة خطيرة جراء إصابته برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط في القسم الأيسر من وجهه، استقرت في جمجمته، في الخامس عشر من الشهر الجاري، بالإضافة إلى الطفل حامد المصري (15 عاما) من مدينة سلفيت الذي أطلقت قوات الاحتلال النار عليه بالقرب من مستوطنة ارئيل مما أدى لفقدان عينه اليسرى.

وكانت قوات الاحتلال قد ادعت أن الطفل المصري حاول تنفيذ عملية طعن ثم تراجعت عن ورايتها بعد ذلك وأكدت أن الجنود اشتبهوا بالأمر فقط لكونه أدخل يده إلى جيبه، فبادروا بإطلاق النار تجاهه في الثاني عشر من شهر كانون أول الجاري.

وبالإضافة لكل ذلك كانت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال قد وثقت إقدام قوات الاحتلال على قتل 11 طفلا منذ مطلع العام الحالي 2017 وحتى شهر تموز.

ونوه قطيش إلى أن الاحتلال من خلال ممارساته هذه ينتهك العديد من المواثيق والقوانين الدولية ومن أهمها اتفاقية حقوق الطفل، وحقوق الأطفال عادة هي حقوق مترابطة بمعنى أن أي انتهاك لأحد الحقوق يؤثر على الحقوق الأخرى، واتفاقية حقوق الطفل نصت بشكل واضح على اعتبار اعتقال الأطفال من المفروض أن يكون الملاذ الأخير وضمن فترة زمنية محددة وفي ظروف معينة، وعلى الدول أن تبحث عن بدائل أخرى للاعتقال، وبالنسبة لموضوع التعذيب الذي يستخدم ضد الأطفال المعتقلين فهو محظور بشكل مطلق في كل الاتفاقيات الدولية سواء ضد الأطفال أو ضد البالغين.

وأضاف: بالرغم من كون إسرائيل دولة طرف في حقوق الطفل إلا أنها تخرق هذه الاتفاقية بشكل مستمر ومتزايد.

وحول إمكانية تجريم وإدانة الاحتلال بسبب استهداف الأطفال قال قطيش إنه من المفترض قيام باقي دول الأطراف في الاتفاقيات والمواثيق الدولية ممارسة ضغوطات وعقوبات على الدول التي تخترق أي من البنود من أجل إرغامها على الالتزام.

وأكد أن موضوع الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأطفال ليس موضوعا جديدا وهذه الانتهاكات موجودة منذ وجود الاحتلال، ولكن تتصاعد وتيرتها في بعض الأحيان، وكل الأطفال الذين يعتقلون تتعرض حقوقهم لانتهاك كبير.

كما تطرق قطيش إلى تأثير الانتهاكات على الأطفال، مشيرا إلى أن هذه الانتهاكات سواء كانت أساليب ضغط نفسي أو جسدي يكون لها تأثيرات بعيدة وقريبة المدى على الأطفال بعد التحرر من السجن، وكل الأطفال الذين يخضعون لتجربة التحقيق والتعذيب يعانون من تأثيرات نفسية كبيرة.

أما عصام العاروري من مركز القدس للمساعدات القانونية أشار إلى أن تصعيد انتهاكات الاحتلال بحق الأطفال لوحظ منذ سنوات، وشهد العام 2015 الذي شهد هبة شعبية ضد الاحتلال تصاعدا كبيرا بكافة أشكال الانتهاكات ضد الأطفال.

وأضاف أن هناك العديد من الأشكال للانتهاكات ضد الأطفال منها اتباع سياسة الاعتقالات بين الأطفال، وتعرضهم لإصابات، واستهدافهم بشكل مباشر مما يؤدي لاستشهادهم في كثير من الأحيان.

وفيما يتعلق بموضوع الاعتقالات، نوه العاروري إلى أن الاحتلال يشرع العديد من القوانين ويختلق الحجج التي تبرر له اعتقال أعداد كبيرة من الأطفال، فالكثير من الاعتقالات مؤخرا تمت بذريعة التحريض عبر الفيسبوك او شبكات التواصل الاجتماعي.

وتناول العديد من المؤشرات والإجراءات الخطيرة التي يتبعها الاحتلال لتجريم الأطفال وتبرير الانتهاكات بحقوقهم، حيث عمل على تعديلات قانونية تم من خلال إعادة تعريف الطفل بالقانون المطبق على الفلسطينيين بأنه كل شخص دون سن 12 عاما، علما أن المعايير العالمية تعتبر من هم دون سن 18 أطفال، وهذا يعني أن سلطات الاحتلال تحمل مسؤولية جنائية لمن يبلغ 12 عاما، ويمكن ان يتعرض للمحاكمة.

ونوه العاروري إلى أن الاحتلال لا يخرق اتفاقية حقوق الطفل فقط عندما ينتهك حقوق الأطفال وإنما ينتهك اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بحماية المدنيين تحت الاحتلال وغيرها من الاتفاقيات والشرائع الدولية.

من جهته أشار صلاح موسى الخبير في القانون الدولي إلى أن ممارسات الاحتلال جميعها بحق الأطفال مؤخرا تشير إلى انحدار خطير واختراق صارخ للقانون الدولي وأبرز الحقوق التي كفلها ومن أهمها الحق في الحياة، ففي الكثير من الاحتكاكات يعمل قناصون على إطلاق الرصاص بشكل مباشر على الأطفال، ولا يمكن القول بأي شكل من الأشكال أن هذه الإصابات تمت عن طريق الخطأ لأن القناص عادة يشخص الهدف ويتيقن منه قبل إطلاق الرصاص، مما يعني أن هناك استهداف ممنهج للأطفال.

كما يلاحظ أن هناك إفراط في استخدام القوة في قمع الأطفال خلال المواجهات، وليس من المبرر إطلاق رصاص مباشر على الأجزاء العلوية من الجسم ضد طفل ألقى حجرا، كما قال موسى.