تمتد الحرب إلى ما هو أبعد من حدود ساحات القتال لتؤثر بشكل عميق على أجساد ونفسية النساء، والحرب في فلسطين ليست استثناء. فوفقا لتقييمات الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من 70% من ضحايا الغارات الإسرائيلية هم من النساء والأطفال. فقد أجبرت النساء لأكثر من خمسة أشهر على النزوح عبر طرق خطرة مسلحات بالأعلام البيضاء لتجنب استهدافهم ويتحملن ساعات طويلة من الانتظار للوصول إلى المرافق الصحية ويعرضن حياتهن للخطر لإجراء الفحوصات الطبية الأساسية.
في ديسمبر 2014، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرا بعنوان “جرف الزهور” يتتبع الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة الفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014. وبحسب نتائج هذا التقرير، فقد تعرضت 489 امرأة لهجمات جيش الاحتلال خلال تلك السنة.
وتتجدد تجربة الحرب مرة أخرى، فقد أدت الحرب التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة إلى نزوح 11,314 امرأة إلى مراكز الإيواء وإلى مقتل أكثر من 30 ألف امرأة وطفل فلسطيني من جانبهم، دق خبراء الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن وضع المرأة الفلسطينية في غزة.
خبراء الأمم المتحدة يدينون ويتهمون
في رسالة نُشرت في 19 فبراير/شباط الماضي، أعرب خبراء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة – عن قلقهم العميق إزاء الاعتقال التعسفي لمئات من النساء والفتيات الفلسطينيات في منطقتي غزة والضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبحسب ما ورد تعرض العديد منهن لمعاملة غير إنسانية ومهينة، حيث حرمون من الضروريات الأساسية مثل المناديل الصحية والغذاء والدواء. ويزعم أن هؤلاء النساء كن ضحايا لاعتداءات جسدية شديدة. وفي مناسبة واحدة على الأقل، ورد أن النساء الفلسطينيات المحتجزات في غزة تم حبسهن في قفص معرض للمطر والبرد، دون الحصول على الطعام.
“إننا نشعر بغضب شديد إزاء التقارير التي تفيد بوقوع اعتداءات جنسية متعددة ضد النساء والفتيات الفلسطينيات المحتجزات، بما في ذلك تجريد ضباط الجيش الإسرائيلي من ملابسهم وتفتيشهم. ووفقا لهذه التقارير، كان ما لا يقل عن اثنين من المعتقلين الفلسطينيين ضحايا الاغتصاب، في حين تعرضت أخريات للتهديد بالاغتصاب والعنف الجنسي. وأشاروا أيضًا إلى أن الصور الفاضحة للمعتقلات، التي التقطها الجيش الإسرائيلي، تم توزيعها عبر الإنترنت.
وأعرب الخبراء عن قلقهم إزاء اختفاء النساء والأطفال الفلسطينيين، بما في ذلك الفتيات، بعد اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي في غزة. وقالوا: “هناك تقارير مثيرة للقلق عن قيام جيش الاحتلال بنقل رضيعة واحدة على الأقل قسر إلى إسرائيل، فضلا عن أطفال منفصلين عن والديهم، ولا يزال مكان وجودهم مجهولاً”. وذكّر الخبراء الاحتلال بالتزامه باحترام الحق في الحياة والأمن والصحة والكرامة للنساء والفتيات الفلسطينيات، مشددين على حظر اللجوء إلى العنف والتعذيب وسوء المعاملة والمعاملة المهينة، بما في ذلك العنف الجنسي. ودعوا إلى إجراء تحقيق مستقل ومحايد وسريع وشامل وفعال في هذه الادعاءات، كما طلبوا تعاون سلطات الاحتلال في هذه التحقيقات. وشدد الخبراء على أنه “بالنظر إلى هذه الأفعال المزعومة في مجملها، يمكن أن تشكل انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وتصل إلى حد الجرائم الخطيرة بموجب القانون الجنائي الدولي، والتي يمكن مقاضاتها بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية”. وأنه “يجب محاسبة مرتكبي هذه الجرائم على أفعالهم، وأن يكون للضحايا وأسرهم الحق في التعويض الكامل والعدالة المنصفة”.
اكسر حاجز الصمت لتكون على الجانب الصحيح من التاريخ
إذا كانت القصص عن معاناة المرأة الفلسطينية تتتابع دون تشابه، فإن وعي العالم بهذه الفظائع يطول ويترك ملايين النساء في أحلك الظروف. وعلى الرغم من آلاف المظاهرات التي تم تنظيمها في جميع أنحاء العالم، والخطابات التي ألقيت في أكبر التجمعات، إلا أن المرأة الفلسطينية لا تزال تواجه حياة يومية لا يمكن تحملها.
نتذكر حقيقة هذه الحرب، حيث أدلت هيا عبد الهادي، موظفة منظمة أوكسفام النازحة داخل غزة، بشهادتها مؤخرا على وسائل التواصل الاجتماعي قائلة: “كل يوم عندما أذهب للنوم، لا أعرف إذا كنت سأستيقظ أم لا”. وقالت الشابة البالغة من العمر 29 عاما، وهي تروي محنتها لصحفي في وكالة فرانس برس، إنها سارت مسافة خمس كيلومترات بين منزلها ومخيم جباليا مع أطفالها الثلاثة الصغار. وهناك، تمكنت من العثور على وسيلة نقل إلى دير البلح حيث أخبرها الطبيب أن حملها، الذي لم يتجاوز ستة أشهر، في خطر. وبعد ثمانية أشهر، اضطر الأطباء إلى إجراء عملية قيصرية أدت إلى ولادة أربعة توائم. وسط فوضى الحرب.
وفي الوقت الحالي في غزة، يحتاج ما يصل إلى 50,000 امرأة حامل إلى مراقبة منتظمة طوال فترة حملهن، في حين أن 5,500 امرأة على وشك الولادة ويولد 180 طفلا كل يوم. ويؤدي تدهور النظام الصحي إلى تفاقم وضعهن، مما يحرمهن من مراقبة الولادة الكافية. وحتى لو كان لديهم الوقود لضمان سفرهم، فإن الرحلة إلى المستشفى تظل خطيرة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، يصبح اختيار المستشفى معضلة، لأنه من بين المستشفيات الثلاثين، لا يزال هناك 16 مستشفى في وضع نشاط وتواجه ضغوطا كبيرة لتأمين الخدمات الصحية.
فقد كشف الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، في بلاغ حديث، أن 60 ألف امرأة حامل من بين النازحين في رفح جنوب قطاع غزة، على وشك الولادة، فيما تلد أكثر من 180 امرأة يومياً. وفي رفح، حيث الهجمات هي الأكثر عنفا في الوقت الراهن، هناك 60 ألف امرأة حامل معرضة لخطر الولادة في ظروف غير إنسانية.
كما تضطر العديد من النساء إلى حلق شعرهن بسبب مخاوف صحية مرتبطة بعدم توفر الماء لغسله. معاناة يومية تزداد خلال فترة الدورة الشهرية. وقال الاتحاد العام لنقابات العمال أيضًا إن 20 ألف طفل ولدوا خلال الحرب، في ظروف مروعة، بينما فقدت امرأتان حياتهما كل ساعة. لقد أصبحت 3 آلاف امرأة أرامل بينما تتولى هؤلاء النساء الشجاعات رعاية 14 ألف أسرة. وتكشف الأرقام التي سجلها المركز النقابي عن مقتل 8570 امرأة، بينهن 16 صحافية و100 معلمة.
دعم عمال ونساء فلسطين دوليا:
خلال جلسة استثنائية مع أعضاء المجلس العام لمؤتمر نقابات العمال البريطانيين مخصصة للوضع في غزة، دعت السكرتيرة التنفيذية للاتحاد العربي للنقابات، هند بن عمار إلى التركيز على محنة المرأة في المنطقة. وأوضحت أن القضية الفلسطينية تتجاوز البعد الجيوسياسي البسيط لتصبح قضية حقوق أساسية وأراضي مصادرة.
“على مدى الأيام التسعين الماضية، شهدنا مذبحة مروعة في غزة، أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني ودفع السكان إلى اليأس المتزايد، مما مهد الطريق لتراجع اقتصادي قدر بـ 16 عاما. والحصيلة أكثر من دراماتيكية: أكثر من 24 ألف شخص قتلوا، 70% من الضحايا نساء وأطفال، في حين أن عدد الجرحى حاليا يتجاوز 59 ألفا، منهم 25% نساء وأطفال”. “من الضروري عدم التقليل من التأثير غير المتناسب لهذا الصراع على النساء والأطفال فانهيار الخدمات الصحية الموجهة للمرأة ينذر بالخطر، خاصة في ظل وجود حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة”.
وأضافت:” نتوقع زيادة في معدل الفقر بين النساء في غزة “في ثلاثة أشهر، ارتفع معدل الفقر في غزة بنسبة 34%، وفقد 61% من السكان سبل عيشهم. وحذرت من أن الناتج المحلي الإجمالي لغزة انخفض بنسبة 12% خلال 3 أشهر فقط، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 10% شهريا، مع انخفاض توفر المنتجات الغذائية في الأسواق”.