العنف ضدّ المرأة العربية: أزمة صارخة واجراءات عاجلة

 

وفي عام 1999، تمّ إعلان يوم 25 نوفمبر يومًا دوليّا للقضاء على العنف ضدّ المرأة من قبل الجمعيّة العامة للأمم المتحدة.ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا التاريخ موعدا لإطلاق مبادرة 16 يومًا من النشاط، تنتهي يوم 10 ديسمبر/كانون الأول وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. خلال هذه الفترة، يتمّ اطلاق حملات توعية تقودها الحكومات والمنظمات الدّولية والمنظمات غير الحكوميّة للتذكير بأهميّة مكافحة العنف ضد المرأة.

أهمية مكافحة العنف ضد المرأة

يعرّف إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1993 العنف ضد النّساء بأنّه: “أيّ فعل عنيف موجه ضدهنّ من شأنه أن يؤدّي إلى أذى أو معاناة جسديّة أو جنسيّة أو نفسية للنساء والفتيات. بما في ذلك التهديد والإكراه والتعدّي على حريتهنّ، سواء في الحيّز العام أو الخاص.”

إنّ الآثار المدمّرة لهذا العنف تمتدّ على المستوى النفسي والجنسي والإنجابي طوال حياة المرأة. فالحرمان من الدراسة، على سبيل المثال، لا يعيق وصولهنّ إلى التعليم والتعليم العالي فحسب، إنّما يحدّ أيضًا من فرصهنّ في دخول سوق العمل.

وعلى الرغم من أنّ العنف الجنساني يمكن أن يقع على أي شخص، وفي كلّ مكان، فإنّ بعض الخصائص الفرديّة على غرار التوجّه الجنسي أو الإعاقة أو العرق، وكذلك العوامل الظرفية مثل الأزمات الإنسانية، لاسيما بسبب الصراعات وما بعدها، تزيد من تعرّض المرأة لهذه الأشكال من العنف .

وبمناسبة احتفال هذا العام، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنّ : «العنف ضدّ المرأة انتهاك مروّع لحقوق الإنسان، وهو أزمة صحّيّة عامّة، وعقبة رئيسية أمام التنمية المستدامة.  إنّه مستمرّ، وواسع الانتشار، ويزداد سوءًا. فمن التحرّش الجنسي إلى قتل الإناث، وسوء المعاملة، يتخذ هذا العنف أشكالا عديدة. لكن كلّ أصناف العنف هذه متجذّرة في الظلم الهيكلي، الذي رسّخته آلاف السنين من السيطرة الذكورية […]. إنّنا جميعا ندفع الثمن: فمجتمعاتنا أقلّ سلاما، واقتصاداتنا أقلّ ازدهارا، وعالمنا أقلّ عدلا. ولكن من الممكن إيجاد عالم مختلف«.

 

واقع العنف ضدّ المرأة العربية

لقد وصل العنف ضدّ المرأة في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة إلى مستويات مثيرة للقلق، حيث بلغ درجة غير مسبوقة من حيث الوحشيّة ومن حيث التّغطية الإعلاميّة أيضا.

ففي مصر، على سبيل المثال، أحصى تحقيق أجرته مؤسّسة التنوير للتنمية والمساواة في عام 2021، استنادا إلى وسائل الإعلام وبيانات النيابة العامة، 813 حالة عنف ضدّ النساء والفتيات، وهو ما يمثل زيادة واضحة عن  415 حادثة  سجّلت سنة 2020.ووفقا لتقرير لرويترز، أفاد محامون وضحايا أنّ العديد من النساء اللاتي طلبن المساعدة من السلطات لم يتلقين أيّ إجابة.

وفي الجزائر، كشفت مبادرة “لا لقتل النساء – الجزائر”، التي أطلقها ناشطات في مارس/آذار 2022، عن حدوث تسع جرائم قتل لنساء خلال أقلّ من ثلاثة أشهر فقط، في تلك السنة. وقُتلت في عام 2021، نحو 55 امرأة من فئات عمريّة مختلفة، غالبًا على يد أفراد من أسرهنّ، وذلك وفقًا لما أوردته وكالة فرانس براس.

مثّل مقتل نيرة أشرف في مصر، التي تعرّضت للطعن في وضح النهار أمام جامعتها في المنصورة، صدمة عميقة للشعب المصري، وطرح من جديد النّقاش حول العنف ضدّ المرأة.

وإثر فترة وجيزة من هذه الجريمة، قُتلت إيمان إرشيد، وهي طالبة أردنية، في حرم جامعة العلوم التطبيقية شمال عمّان بالأردن بطلق ناري على يد رجل كانت رفضت الزواج منه من قبل.  أيام قليلة بعد هذا الحادث، تلقّت سلمى بهجت، وهي طالبة مصريّة، 17 طعنة على يد زميل لها عند مدخل مبنى سكني في محافظة الشرقية، وذلك بسبب إنهائها العلاقة معه.

وأكّد مراقبون أنّ مقتل نورا شجّع على ارتكاب جريمتي قتل إيمان وسلمى، بعد أن وجّه القاتلان تهديدات شبيهة بتلك التي استعملها قاتل نيرة.

وفي الإمارات العربية المتحدة، تعرّضت لبنى منصور (أردنية-فلسطينية)  للطعن في سيارتها على يد زوجها وقد كانت في طور الانفصال عنه بسبب خلافات بينهما، وفق ما ورد في تقارير إعلامية. وفي مصر أيضاً، قُتلت المذيعة شيماء جمال على يد زوجها. وأدين الزوج مع شريك له في الجريمة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.

وفي الجزائر، تمّ اكتشاف جثة شيماء (19 عاما) في محطة مهجورة لبيع الوقود بالضواحي الشرقية للعاصمة في أكتوبر 2020. وذكرت والدة الضحيّة أنّ ابنتها تعرّضت للاغتصاب سابقا على يد نفس المجرم الذي تهجّم عليها على مرأى من النّاس في عام 2016. وعلى الرّغم من أنّها قدّمت شكوى في ذلك الوقت، إلاّ أنّ إدانة الجاني لم تتعدّى ثلاث سنوات سجنا.

 

ويشير الناشطون الحقوقيون إلى عدّة أسباب تقف وراء ازدياد العنف ضدّ النّساء في المجتمعات العربيّة، ومن بينها نقص القوانين الرّادعة، واستضعاف المرأة والتبعيّة للرّجل، فضلا عن العقلية والثّقافة التي تفترض دائما أنّ الرّجل على حق.

وفي هذا الإطار، أكّدت السكرتيرة التنفيذية للاتحاد العربي للنّقابات هند بن عمار أنّ :«إشكالية العنف ضدّ المرأة تجنّدت لها جميع النّقابات في المنطقة العربية. ومن يظنّ أنّنا قد نتخلّى لحظة عن دفاعنا عن حقوق المرأة فهو واهم. لقد تجاوز هذا الموضوع الإرث الذكوري التقليدي؛ واليوم، توجد تشريعات تشوبها نواقص ولكنّها تصبح فعّالة للحدّ من هذه الآفة، شرطَ أن يتمّ تطبيقها. وقد أطلقنا منذ حوالي عام تطبيق ” طوق” للإبلاغ والمتابعة وتقديم المشورة في جميع حالات العنف المسلّط على النساء، سواء تلك التي تحدث في الأماكن العامّة أو في العمل أو في المنزل. ونهدف إلى تطوير هذا التطبيق وتوسيع نطاقه، ليغطّي لا فقط البلدان التي يشملها الاتحاد العربي للنقابات جغرافيا، بل المنطقة كلّها، فهذه قيم أساسيّة لا تقبل أيّ شكل من الانتقائية«.

وأشارت المسؤولة النقابيّة إلى تصريح المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، الذي كشف أنّ «11 امرأة تفقد حياتها كل دقيقة على يد فرد من الأسرة، وخصوصا الشريك. إنّ جرائم قتل النساء على يد أزواجهن يمثّل 38% من مجموع جرائم القتل في العالم»، وأكّدت أنّ المؤشّرات المذكورة جديرة أن تكون حصيلة لأكبر النّزاعات المسلّحة العالميّة. 

وتحدّثت السكرتيرة التنفيذية للاتحاد العربي للنقابات عن آخر المبادرات لمكافحة العنف ضدّ النساء، فأوضحت أنّ سكرتاريا المنظمة قامت بوضع سياسة متكاملة لمكافحة هذه الآفة بمقر المنظمة بالذات.

 

وقد تمت المصادقة على نصّ هذه السياسة خلال الدّورة الأخيرة للمجلس العام التي انعقدت بتونس يومي 11 و12 نوفمبر/تشرين الثاني 2023. وشدّدت هند بن عمار على أنّ هذه الوثيقة تمّ وضعها كي تعتمدها كلّ المنظمات النّقابية الأعضاء، مع إمكانيّة مواءمتها مع أنظمتها الدّاخلية.