
في إقليم الأندلس، تواجه العديد من العاملات الموسميات المغربيات أوضاعا متردّية في مخيمات الفراولة، حيث لا وجود لمياه الشرب، ويحصلن على أجور زهيدة. منذ سنوات لا تتوقّف عديد الهيئات عن التعبئة للدّفاع عن حقوق هؤلاء العاملات والنّضال من أجل تحسين ظروف عملهنّ.
في عام 2018، نشرت الباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي، شادية عرب، دراسة بعنوان “نساء الفراولة، أنامل جنية : الوجه الخفيّ للهجرة النسائيّة المغربيّة إلى إسبانيا”، تستعرض فيها الحياة اليومية لقاطفات الفراولة؛ في واقع مليء بالاستغلال والانتهاكات وسوء المعاملة.
سعيدة، هي إحدى العاملات الموسميات اللاتي التقت بهنّ شادية عرب خلال اجرائها للتحقيق، تلخّص وضعية هؤلاء النساء في جملتين لافتتين:«عندما نتأمل في الأمر، نجد أنّنا حاربنا من أجل الذهاب للعمل في البؤس. بينما البؤس هو الذي يدفعنا للرحيل». لم يكن أمام هؤلاء النّساء، المنحدرات من وسط جدّ فقير، من خيار سوى تجربة حظهن في إسبانيا على أمل تحسين وضعهنّ، ولكن بمجرّد وصولهن، فإنّهن لا يلقين سوى صنوف من التدهور المحزن، في حالة تدوم منذ أكثر من 20 عامًا.
هذه الحقائق تمّ تأكيدها مؤخّرا من قبل فريق الخبراء التابع لمجلس أوروبا المعني بمكافحة الاتجار بالبشر”غريتا”، الذي أكّد في تقرير حديث صدر على إثر زيارة أدّاها الفريق إلى مزارع هويلفا بين 4 و 8 يوليو 2022، أنّ العمال المهاجرين الموسميّين يواجهون ظروف حياة غير كريمة.
وخلال زيارتهم، عاين أعضاء الفريق وجود 25 “مخيم غير نظامي”، أين يقيم 914 مهاجرًا، من بينهم 99 امرأة. وكان أغلبهم مهاجرون غير شرعيين ينحدرون من المغرب ومالي وغانا. كانوا يقيمون في أكواخ بدائية مصنوعة من أغلفة بلاستيكية، كتلك المستخدمة لتغطية مزارع الفراولة. ووفقاً للدّراسة، لم يكن يتوفّر لهؤلاء الأشخاص مياه صالحة للشرب ولا كهرباء ولا مرافق للصّرف الصّحّي.
هؤلاء العاملين، الذين يعيشون في حالة هشاشة قصوى، يجدون الدعم الأساسي فقط، في مركز نهاري صغير يقع على مقربة من المزارع. وقد أنشأت هذا المركز بعض الجمعيات بالمكان، مثل الصليب الأحمر وكاريتاس والمنظمة الإسبانية غير الحكومية لمساعدة المهاجرين “آسيم” (ACCEM)، بغرض توفير الخدمات الأساسية للمحتاجين. بيد أنّ فريق خبراء مجلس أوروبا المعني بمكافحة الاتجار بالبشر نبّه في تقريره إلى أنّ عمل هذا المركز مهدّد على مدى طويل، بسبب نقص التمويل العام.
وتعتبر الجمعيات المذكورة في التقرير أنّ العديد من العمال المهاجرين الذين يعيشون في هذه المخيمات، هم ضحايا للاستغلال في العمل والاتجار بالبشر. إذ أنّهم مجبورون غالبا، على العمل لساعات تتجاوز الحدّ القانوني، برواتب أقلّ من الأجر الأدنى، بل وفي بعض الأحيان لا يتقاضون رواتبهم على الإطلاق. وتثير الوثيقة أيضًا حالات لنساء يتمّ استغلالهن جنسيًّا في هذه المخيّمات، أعربت إزائها المنظمات غير الحكومية عن قلقها الشديد كما ندّدت بها.
ووفقاً لخوسيه ميغيل موراليس، رئيس اتحاد “أندلوسيا أكوج”، فإنّ هذا الوضع الذي يستمرّ منذ أكثر من 20 عاماً سببه “العنصرية الاجتماعية والمؤسّساتية” التي لا يضيرها أن يظلّ المهاجرون دوما في ظروف غير لائقة.
وكذلك صرّح عبد الله سانوغو، من رابطة الماليين في مازاغون، من جانبه، بأنّ العديد من المهاجرين يفقدون عقولهم بسبب ظروفهم المعيشية المزرية، من دون كهرباء ولا مياه. بينما أوضح خوسيه أنتونيو بازو ممثل اتحاد العمال الأندلسيين في مقابلة مع قناة أورونيوز التلفزية، أنّ العمال غير المنتجين بما يكفي يتعرّضون لأصناف من سوء المعاملة.
وتفاعلا مع الشواغل التي أثارها تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس أوروبا المعني بمكافحة الاتجار بالبشر،أكّدت الحكومة الإسبانية أنّ حالة من الوعي الملحوظ حدثت هويلفا فيما يتعلق بوضع العمال المهاجرين. حيث تمّ في عام 2022، تنفيذ 329 عملية تفتيش عمل، مقابل57 فقط في عام 2018. كما قامت السلطات بتعزيز تدريب الأعوان المكلفين بالتحقيق في قضايا الاتجار بالبشر. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تم إجراء تدريبات خاصة للشركاء الاجتماعيين من أجل دعم التبادل والممارسات الجيدة.
وفي هذا الإطار أعلنت وزيرة العمل، يولاندا دياز خلال زيارة إلى منطقة دونانا القريبة من هويلفا قبل بضعة أيّام من نشر تقرير فريق الخبراء،أنّ “معظم” شركات الفراولة في المنطقة تحترم قانون العمل وأنّ ظروف العمل التي يعمل فيها العاملون سليمة. إلاّ أنّها سلّمت في الوقت نفسه بوجود مؤسّسات لا تحترم التشريعات السارية.
وجدير بالذكر أنّه مقارنة بالعاملات الأخريات القادمات من أوروبا الشرقيّة ومن بلدان جنوب الصحراء الكبرى، فإنّ النساء المغربيات يمثلن الأغلبية في العمل في أسبانيا لهذا الموسم، وفقا لنظام حصص. ويقع اختيار معظمهنّ في المغرب مباشرة بواسطة الوكالة الوطنية لإنعاش الشغل وتنمية الكفاءات. لكنّ أغلبهنّ يواجهن تحديات كبرى إذ أنّهنّ لا يعرفن القراءة ولا الكتابة ولا يتكلّمن الإسبانية.
وتوضّح شادية عرب في هذا السياق أنّ أصحاب العمل يبحثون عن النساء الأكثر تهميشًا وهشاشة على وجه التحديد، لأنّ ذلك يخلق التّبعيّة بسبب الحاجة الاقتصاديّة. فهذه الحالة تجعل هؤلاء النساء مرنات خانعات وكادحات.