
يواجه الأردن وضعا اقتصاديا صعبا. فوفقًا لصندوق النقد الدولي، بلغت نسبة البطالة فيه 22.6% في عام 2022، وتصل إلى قرابة 50% بين الشباب. ونظرا لقلة الموارد الطبيعية بالمملكة الأردنية الهاشمية، واعتمادها الكبير على المساعدات الخارجية، لا سيما مساعدات صندوق النّقد الدّولي، فإنّها تتأثر بشدّة بتدفّق اللاّجئين السّوريّين، وهي تواجه ديونًا عامّة تتجاوز 100% من ناتجها المحلّي الإجمالي. ويستضيف الأردن الذي يتوسّط كلاّ من العراق وسوريا وفلسطين والمملكة العربية السعودية، حاليًا حوالي 1.3 مليون لاجئ سوري، أي حوالي 12% من مجموع سكانه، بالإضافة إلى أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني موجودين على أراضيه.
اتفاق أشادت به الحكومة واستنكرته المعارضة
أعلن صندوق النقد الدولي في بيان نشره يوم 27 مايو 2023 عن ابرام اتفاق جديد مع الحكومة الأردنية لإجراء مراجعة سادسة لأداء الاقتصاد في إطار البرنامج الحكومي للإصلاح الاقتصادي.
وذكرت المؤسّسة المالية أنّ “المراجعة السادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي سترفع إجمالي دفوعات صندوق النقد الدولي منذ بدء البرنامج في 2020 إلى 1.300 مليون وحدة حقوق سحب خاصّة (حوالي 1.750 مليون دولار أمريكي)”، مع الإشارة إلى أنّ هذه الاتفاق يخضع لموافقة إدارة الصندوق. وأضاف البيان أنّه من الضروري أن يتمّ تنفيذ إصلاحات هيكليّة لتحقيق نمو اقتصاديّ قوي، شامل وباعث لفرص العمل، خاصّة أنّ معدّلات النّمو التي تتراوح بين 2% و3% غير كافية لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين. وأكّد صندوق النّقد الدّولي أنّ الهدف الأوّل هو خفض الدين العام الأردني إلى ما دون 80% من الناتج المحلي الإجمالي، متوقّعا تحقيق نموّ يقارب 2.6% بالنسبة للعام الحالي.
وفي هذا الإطار، أكد وزير الاقتصاد الأردني محمد العسعس أنّ هذا الاتفاق يمثل “فرصة للاقتصاد الوطني ومبعثا للثقة تجاه المجتمع الدولي”. وأكّد الوزير خلال مؤتمر صحفي أنّه بفضل “الإصلاحات التي قامت بها الحكومة لتعزيز استقرار ومرونة الاقتصاد” ، فإنّ الأردن “تمكّن من الحفاظ على استقراره المالي والنّقدي” على الرّغم من الظروف العالميّة المتقلبة للغاية.
إلاّ أنّ المعارضة استنكرت الاتفاق، مؤكدّة أنّه يكرّس ويعزّز تمشّيا اقتصاديّا يرتكز على “شروط صندوق النقد الدولي”، أوصل البلاد إلى أزمات اقتصادية متتالية وتسبب في “رفع الحماية الاجتماعية”. وبالفعل فإنّ أحزاب المعارضة تعتبر أنّ الإجراءات المالية والاقتصادية “النيوليبراليّة” التي اشترط صندوق النّقد الدّولي على الأردن تنفيذها مقابل برنامج مساعداته، أضرّت كثيرا بالطبقات الأردنيّة المتوسطة والفقيرة.
ويؤكّد عديد المراقبين والخبراء أنّ الإصلاحات الحكومية تتطلب زيادة عامة في أسعار السلع الأساسية، وإيقاف الدعم الحكومي، وزيادة الضرائب غير المباشرة، وخفض الإنفاق العام في العديد من القطاعات الحيوية، وغير ذلك من الإجراءات غير الملائمة بل والمضرّة بالقطاع العام. ويوضّح الخبراء أيضًا أنّ إصلاحات وبرامج صندوق النقد الدولي
لم تساعد في خفض نسبة الدين العام التي بلغت 111% من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2021.
العمال، هؤلاء الضحايا الجانبيين لشروط صندوق النقد الدولي
على الرغم من برامج التكيف التي ينفذها صندوق النقد الدولي منذ عام 1989، فإنّ الاقتصاد الأردني مازال يواجه العديد من التحديات. وقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية زيادة في الدين العام (42.8 مليار دولار)، واستمرار العجز في الميزانية (2.5 مليار دولار)، وارتفاع معدّل البطالة (22.8%). وبالموازاة مع ذلك، تمّ التخفيض بشكل كبير في تدابير الحماية الاجتماعية الموجّهة لدعم الأسر الفقيرة.
وكشف البنك الدولي، في تقرير نُشر في مايو الماضي، أنّ معدل الفقر وتراجع معدّل الدّخل في الأردن، وصلا إلى مستويات مقلقة فاقت تلك المسّجلة خلال الأزمة الصحيّة لكوفيدـ19. وفقًا لتقديرات أوّلية للبنك الدّولي، حيث ارتفع معدل الفقر من 15.7% في عام 2018 إلى 26.7% بنهاية عام 2022.
هذه المؤشرات، التي تضلّ قائمة على الرّغم من الإصلاحات والمساعدات الخارجية [أعلنت الولايات المتحدة، في عام 2022، عن أكثر من 845 مليون دولار كمساعدات موجّهة للأردن من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، متعهّدة بتقديم مساعدة ماليّة بقيمة إجماليّة قدرها 10.15 مليار دولار حتى عام 2029] تهدّد الحياة اليومية للأردنيين، الذين يضطرّ الكثيرون منهم ، بشكل متزايد، إلى العمل في وظيفة ثانية لتلبية احتياجاتهم اليومية.
وفي هذا السياق، تكشف قراءة مقارنة لمعدلات البطالة عن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لتدخلات صندوق النقد الدولي المتعدّدة على إعادة هيكلة الاقتصاد الأردني، والتي تتجلّى في زيادة معدلات البطالة وتدهور ظروف العمل.
في أوائل التسعينيات، كان معدّل البطالة في حدود 8%، وخلال هذه الفترة بدأت الحكومات الأردنية المتعاقبة في تنفيذ سياسات إعادة الهيكلة، في إطار برامج صندوق النقد الدولي. وفي سنة 2019، قبل ظهور جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من آثار مدمّرة، وصل هذا المعدل إلى 19.2%، وفي الرّبع الثاني من عام 2022، ارتفع إلى 22.8% . وكانت للخيارات الاقتصادية التي فرضها الصندوق تأثير كبير على الاقتصاد الأردني، إذ زادت من اعتماده على القروض والتبرعات الخارجية.
لكنّ هذه الاختيارات عجزت عن ضمان الاستقلال الاقتصادي للبلاد، ممّا أدّى إلى إضعاف القطاعات الإنتاجيّة المختلفة. ونتيجة لذلك، تقلّصت قدرة الاقتصاد الوطني على خلق فرص عمل جديدة بشكل كبير؛ إذ انخفض عدد فرص العمل السنوية من 70 ألفًا في عامي 2007 و2008 إلى 48 ألفًا فقط في عام 2015، ثم إلى 35 ألفًا في عام 2019.
ويفسّر هذا الانخفاض إلى حدّ كبير، الارتفاع المطّرد في نسبة البطالة. وهذه الظاهرة أكثر إثارة للقلق بين شريحتي الشباب والنساء، حيث تبلغ معدلات البطالة على التوالي 48.5% و30.7%.
وقد كانت للضغوط على السياسات الحمائية، لا سيما في ما يتعلّق بالأجور، تأثير كبير على العاملين في القطاع العام. إذ أنّه لم تقع فعلا زيادة في الأجور، وذلك استجابة لإملائات صندوق النقد الدولي، على عكس الزيادات المتتالية في كلفة المعيشة. وقد ساهم هذا التمشّي في زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في حالة فقر، وامتدّ تأثيره على شرائح كبيرة من السكان العاملين. وفقا لتقارير المنظمة العامّة للضمان الاجتماعي، يحصل 56% من المشتركين بالضمان الاجتماعي على راتب شهري يساوي 500 دينار أردني أو أدنى. هذا الواقع المقلق يسلّط الضوء على النتائج الكارثيّة لهذه السياسات، التي لا تأخذ بعين الاعتبار الصعوبات الماليّة التي يواجهها الكثير من العمال.
كما حالت شروط صندوق النقد الدولي دون زيادة الحد الأدنى للأجور، والتي ما فتأت تدفع العديد من الباحثين عن عمل ، وخاصّة منهم النّساء والشباب من أصحاب الشهائد إلى الإحجام عن المشاركة في سوق العمل الوطنية.
وجدير بالذكر أنّ البلاد كانت مسرحًا في ديسمبر الماضي، لحركة احتجاجية كبيرة بسبب ارتفاع أسعار المازوت والكيروسين. إذ دخل سائقو الشاحنات في الإضراب، وسرعان ما تبعهم أصحاب سيارات الأجرة وقطاعات أخرى من النقل. وكان سبب الإضراب هو فرض ضريبة جديدة على المنتجات البترولية، خاصة مادة المازوت الذي تستخدمه الشاحنات والباصات، وكذلك الكيروسين المستعمل لدى العديد من الأردنيين للتدفئة. وتضاعفت أسعار أنواع هذه المحروقات تقريبًا خلال عام واحد.
ورغم أنّ الوضع في البلاد قد هدأ منذ ذلك الحين، إلاّ أنّ المؤشرات الاقتصادية وتدهور الظروف المعيشية للمواطنين لا يزالان ينذران بموجة جديدة من الغضب الاجتماعي.