لبنان على شفا الانفجار: إضراب موظفي أوجيرو يشلّ دولة منهكة

مبنى الشركة العامّة للاتصالات والإنترنات أجيرو © وكالة الأنباء الفرنسية

دخل 5674 موظف في أجيرو في إضراب مفتوح يوم 24 مارس/آذار الماضي للمطالبة بتحسين ظروف العمل، بعد شنّهم إضرابا تحذيريا في منتصف مارس/آذار. كما نفّذوا اعتصامًا أمام مقرّ الشركة في بئر حسن، بالضاحية الجنوبية ببيروت يوم الاثنين، لتجديد المطالبة بتحسين الرواتب. وكان العاملون في أجيروا علقوا في أغسطس 2022 إضرابًا طويلا، استمرّ لأسابيع بعد أن وافق الرئيس السابق ميشال عون على تمويل الزّيادة في رواتبهم.

 

مطالب متواصلة ودعم نقابي واسع

نظم موظفو أوجيرو، المزوّد العمومي لخدمة الإنترنت والهاتف الأرضي، اعتصامًا يوم الاثنين أمام مقر المؤسسة في منطقة بئر حسن، الواقعة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وطالبوا بتعديل و”دولرة” رواتبهم في تظاهرتهم التي انتظمت بعد إضراب مفتوح انطلق يوم الجمعة الماضي. وأغلق الموظفون الطريق السريعة التي تمتد على طول الحي الرياضي، ممّا أحدث اضطرابا كبيرا في حركة الجولان على الطريق المؤدية من مدار كولا إلى مطار بيروت الدولي.

وكان موظفو أوجيرو بدأوا إضرابهم للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية، حيث فقدت رواتب الموظفين قيمتها بشكل كبير نتيجة الأزمة الاقتصادية الخطيرة التي تمر بها البلاد منذ ثلاث سنوات. وفي إطار هذا التحرّك المطلبي، أعلن الموظفون أيضًا أنهم سيتوقّفون عن إصلاح الأعطال التي قد تطرأ بالشبكة، وفعلا فقد شهدت عدّة مناطق من البلاد أعطالا كثيرة خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وفي تصريح أدلت به رئيسة نقابة الموظفين في أوجيرو، إميلي نصّار إلى الموقع الإخباري أل.سي.آي بيروت، أكّدت أنّ أوضاع العاملين تتدهور يوما بعد يوم بسبب الهبوط الحادّ لقيمة الليرة اللبنانية واستمرار احتساب الرّواتب على أساس سعر صرف للدولار (الواحد) بقيمة 1500 ليرة. وأوضحت أنّ : «الرّواتب الحالية لم تعد تمثّل سوى 1% من قيمتها الأصليّة. وما يحصل عليه الموظف بالكاد يسمح له بالذهاب إلى مكان عمله لتأمين الخدمات المطلوبة من المشتركين». مضيفة أنّ الإضراب المفتوح تقرّر عندما لم تفض المطالبات وسلسلة الاحتجاجات التي سبقتها إلى أيّ نتيجة. 

وأضافت المسؤولة النقابية أنّه حتى إذا ما دخلت المراسيم القديمة، المتعلقة بالمساعدات الاجتماعية الاستثنائية حيز التنفيذ، فإن هذا لن يحلّ مشكلة المضربين، نظرا إلى أنّ الزّيادات المحتملة لن تكون كافية لمواجهة الارتفاع المستمر في أسعار الوقود وسعر صرف الدولار.  وتذكّر نصّار مع ذلك، أنّ إدارة الشركة إن لم تعترض على زيادة عامّة للرّواتب، فإنّها لا تملك الأموال اللاّزمة لمثل هذا الإجراء.

أمّا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والموظفين في لبنان فعبّر من ناحيته عن دعمه اللامشروط للإضراب “المبرّر والمشروع“. وندّد في بيان نشره يوم 28 مارس الماضي، بمحاولات الترهيب التي تهدف إلى الدفع لإلغاء الحراك الاجتماعي. وأعلن الاتحاد أيضا تأييده للتحرّكات الاجتماعية التي ينظّمها جميع أعوان القطاع العام، لا سيما المشتغلين في قطاع التعليم، مؤكداً التزامه بالدفاع عن حقوق العاملين أينما كانوا.

 

اضطراب كبير بالشبكة ووزير بلا صلاحيات

على الرغم من أتساع نطاق الإضراب، أكّدت إيميلي نصّار أنّ خدمات الإنترنات تعمل بشكل طبيعي عبر السنترالات الخمس التي أُبقِيَت في نطاق الخدمة، كدليل على حسن نوايا المضربين. ولكن العديد من المواطنين والشركات مازالوا يشتكون من انقطاعات وأعطال في شبكة الإنترنات؛ وهي انقطاعات ناجمة عن توقف جميع أعمال الصيانة والتشغيل في كلّ انحاء البلاد.

وأكد مصدر من أوجيرو أنّ توقف محطتي سن الفيل وراس بيروت عن العمل تسبّب في انقطاع متواصل للأنترنات، ممّا أدّى إلى زيادة الضّغط على استخدام شبكة الجيل الثالث. كما نفى الشائعات التي تردّدت عن قيام طرف حزبي بمنع تزويد الستنرالات بالمازوت. وتمّ توضيح أنّ شركة “تاتش” تزوّد محطات الكهرباء بالمازوت ولكن ليس لها دراية بكيفية إدارة المولدات وهو ما يفسر الأعطال الدائمة. وأكّد المدير العام لأوجيرو عماد كريدية من جهته أنّ المضربين ليسوا مسؤولين عن أعطال الإنترنات، محمّلا في ذلك المسؤوليّة للدّولة اللبنانية لأنّها “منعت أوجيرو منذ عام 2019 من تنفيذ أعمال الصيانة الضرورية”   .

وأمام هذا الوضع، طلب جوني القرم، وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال، من رئيس الوزراء المؤقت نجيب ميقاتي التدخل لدى الجيش لتسيير أوجيرو بأكمله. ووفقا للقرم، فإنّ انقطاع خدمات الاتصالات ممنوع لأنّها ضرورية للحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية للبلاد. كما أشار خبير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عامر طبش في هذا الإطار، إلى أنّ انقطاع الإنترنات يمكن أن يتسبّب في خسائر اقتصاديّة كبيرة للبلاد، تمسّ كلّ القطاعات إلى جانب عزل لبنان عن بقية العالم، وما لذلك من أضرار مباشرة وغير مباشرة يمكن أن تفوق تلك التي نجمت عن انفجار مرفأ بيروت الذي جدّ في آب / أغسطس 2020، مع توقف كامل للدورة الاقتصادية على وجه الخصوص.

ولهذا دعا الوزير الموظفين إلى تعليق إضرابهم الذي وصفه بـ “المتسرع“. كما صرّح بأنه لا يملك الصلاحية لرفع رواتب الموظفين وأنّ الأمر يتوقف على قرار من مجلس الوزراء.

 

عودة هدوء حذر

عقد المضربون يوم الجمعة 31 مارس سلسلة اجتماعات للنظر في تطوّرات حراكهم. وفي نهاية النقاشات أعدّوا مذكرة تتضمّن جملة مطالبهم وتعيد صياغتها. لكن رئيسة النقابة أكّدت، في تصريح إعلامي، أّن الظروف التي دارت فيها المفاوضات لم تكن “هادئة” وأنّ المضربين تعرّضوا لضغوط عديدة حتى يتمّ انهاء إضرابهم.

ولم يستغرق الأمر إلاّ 24 ساعة حتى يحدث ذلك؛ فمن الغد، السبت 1 أبريل، أعلن المجلس التنفيذي لنقابة موظفي أوجيرو تعليق الإضراب إلى حين انعقاد الاجتماع المقبل لمجلس الوزراء.

وفي بلاغ صدر في نفس اليوم، أعلنت النقابة أن “وزير الاتصالات المنتهية ولايته وعد بتخصيص اجتماع لمجلس الوزراء لتسوية المشاكل التي تواجه أوجيرو ودراسة المطالب والإصلاحات التي يطالب بها موظفوها”.

وكان عماد كريدية أفاد قبل ساعات قليلة من هذا الإعلان بعودة الاتصال بين الموظفين ووزير الاتصالات المنتهية ولايته وأنّهم قاربوا التوصّل إلى حلّ.