الأردن: المهن المؤقتة ملاذ العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات

الأردن_ بات من المألوف أن يكون الباعة في المراكز التجارية الكبرى من خريجي الجامعات من مختلف التخصصات، ولم يعد غريبا ان يكون النادل في المطاعم الشعبية او مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة بكثرة، كذلك العاملون في خدمة التوصيل المجاني للوجبات من خريجي الجامعات ايضاً، ليس فقط من حملة شهادة البكالوريوس بل احيانا من حملة شهادات الدراسات العليا وخاصة درجة الماجستير.

 في كثير من دول العالم ينخرط خريجو الجامعات والمعاهد في سوق العمل فور تخرجهم ويعملون بمهن لا علاقة لها بتخصصاتهم الاكاديمية، وقد اثبتت التجارب ان هذا الامر مهم جدا لإكساب الشباب خبرات هامة في بداية حياتهم المهنية، ويبدو ان هذا الامر في الاردن بات ملحاً في ظل وجود ما يزيد عن 300 الف عاطل عن العمل ونحو مليون عامل (مهاجر) في سوق العمل.

  وليس خافيا ان الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها قطاعات واسعة من الاردنيين وشح فرص العمل التي ساهمت في ارتفاع نسب البطالة في صفوف الشباب، اجبرت قطاع واسع من خريجي الجامعات على العمل بمهن مؤقتة  لا علاقة لها بتخصصاتهم الجامعية. فنجدهم يعملون كباعة ومساعدين في محال الملابس، الأحذية، الإكسسوار، وصالونات الحلاقة والتجميل، والمطاعم والمراكز التجارية الكبرى.

يوسف كيوان، تخرج منذ ثلاث سنوات من جامعة الزيتونة في تخصص نظم المعلومات الحاسوبية، يعمل حاليا في مطعم لبيع المأكولات الشعبية بعمان يقول اضطررت للعمل بهذه المهنة بشكل مؤقت بعد ان فشلت في الحصول على وظيفة تناسب تخصصي الجامعي، حيث قدمت العديد من طلبات التوظيف لشركات تعمل في نظم المعلومات، الا ان طلبي كان يواجه بالرفض في كل مرة وحجة هذه الشركات اني لا املك الخبرة الكافية وليس لدي خبرات عملية سابقة في مجال العمل.

يحصل يوسف على أجر شهري مقداره مائتي دينار، مقابل عشر أو اثنا عشر ساعة عمل يوميا، وهو غير مشمول بمظلة الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي.

ويؤكد يوسف أن هذا حال أغلب العاملين بالمطاعم الشعبية، فأصحاب المطاعم لا يلتزمون بعقود عمل مع العاملين. ويضع اللوم في ذلك على عاتق وزارة العمل وعدم متابعتها للمطاعم الشعبية والعاملين فيها. ويؤكد يوسف انه سيستمر بالعمل في هذه المهنة ولو بشكل مؤقت الى حين حصوله على فرصة عمل مناسبة في مجال تخصصه.

اضافة للبطالة، تتعدد الأسباب التي تدفع بالشباب إلى مزاولة مهن بعيدة تماما عن تخصصاتهم الجامعية، ومنها حسب رأي سوزان الأحمد النمو السكاني الكبير وزيادة عدد خريجي الجامعات في التخصصات المشبعة في سوق العمل، بالإضافة إلى الواسطة والمحسوبية.

تشير البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الاحصاءات العامة للربع الثاني من عام 2015،ان نسبة البطالة بلغت 11.9% ، للذكور 10.1 % مقابل 20 % للإناث لنفس الفترة. كما اكدت البيانات ارتفاع معدلات البطالة بين حملة الشهادات الجامعية بنسبة بلغت 16.7% مقارنة بالمستويات التعليمية الاخرى، وبلغت نسبة المتعطلين من الذكور من حملة درة البكالوريوس 24.7%، فيما ترتفع النسبة بشكل كبير بين الاناث من حملة درجة البكالوريوس لتبلغ 74.9%.

سوزان، الحاصلة على بكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة اليرموك، تعمل منذ تخرجها قبل خمس سنوات كبائعة في محل اكسسوارات وعطور، تطالب وزارة العمل بتقديم برامج توعوية للطلبة الملتحقين بالجامعات حديثا وارشادهم إلى التخصصات غير المشبعة في سوق العمل للحد من ظاهرة تكدس الطلبات في ديوان الخدمة المدنية وشركات القطاع الخاص. تشعر سوزان باليأس من امكانية الحصول على وظيفة تناسب مؤهلها العملي بعد مرور اكثر من خمس سنوات على تخرجها. وتقول ان المهنة المؤقتة اصبحت بالنسبة لها دائمة وتأقلمت على العمل كبائعة.

أحمد عبد الرازق، يعمل بائع في متجر حلويات منذ عامين بعد أن تخرج من جامعة الحسين بن طلال تخصص ادارة مكاتب ومعلومات، ويتقاضى اجر لا يتجاوز المائتي دينار،  يقول أنه أصبح من الضروري أن ينظر أصحاب القرار في حال الطلبة الخريجين العاطلين عن العمل أو الذين لا يعملون في مجالات دراستهم، حيث أنهم أصبحوا يشكلون شريحة كبيرة في المجتمع لا يمكن غض الطرف عنها.

كما يؤكد على أهمية توفر رقابة على أصحاب المتاجر المختلفة الذين لا يراعون حقوق العاملين فيها، لوضع حد لتدني الأجور وعدم شمول العاملين بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، بالإضافة العمل ساعات اضافية دون مقابل مادي.

ويأمل احمد ان يلتحق بوظيفة تتناسب مع شهادته الجامعية وان تتيح الشركات في القطاع الخاص للخريجين الجدد المجال للتدريب واكتساب الخبرة لأن ذلك هو شرط التوظيف في تلك الشركات. ويؤكد انه سيستمر بالعمل كبائع حلويات الى ان يجد وظيفة تناسبه.

وأشارت رشا الوالي التي تخرجت في العام 2012 من جامعة البلقاء التطبيقية تخصص هندسة معمارية والتي تعمل منذ تخرجها كموظفة استقبال في احدى المولات الكبرى براتب 210 دنانير، إلى أهمية توفر شركات ومؤسسات تعمل على تدريب الطلبة الخريجين وتأهيلهم لسوق العمل، حيث ان العمل في شركات القطاع الخاص وحتى الطلبات في ديوان الخدمة المدنية تعتمد على الخبرات في مجال العمل. تؤكد رشا انها تعمل بهذه المهنة بشكل مؤقت لأنها تنتظر تعينها من قبل ديوان الخدمة المدنية وهي حاصلة على رقم متقدم جدا في ديوان الخدمة المدنية.

 تشير الارقام الرسمية لديوان الخدمة المدنية ان المجموع التراكمي لطلبات التوظيف على الكشف التنافسي لعام 2015 بلغ 300190  طلبا ،  منها 228871 جامعيين بنسبة    76 % و 71319 للدبلوم الشامل بنسبة 24 % من المجموع التراكمي للطلبات . ويؤكد الديوان أن المؤشرات التي تظهرها بيانات الكشف التنافسي لعام 2015 تبين أن العلاقة بين التخصصات التي يتوجه إليها الطلبة وحاجات سوق العمل عكسية حيث تستحوذ تخصصات العلوم الإنسانية على الجزء الأكبر من طلبات التوظيف والتي تعاني من إشباع يكفي حاجة السوق المحلي لعشرات السنين وخاصة الإناث في حين أن سوق العمل المحلي بحاجة للتخصصات المهنية والتقنية، ما يشكل حالة  من عدم  المواءمة  بين مخرجات التعليم مع حاجات سوق العمل.

 يؤكد خبراء ان هناك عدة اسباب لانتشار البطالة في صفوف الشباب لاسيما بين خريجي الجامعات، وابرز هذه الأسباب اغتراب واضعي السياسات الرسمية عن واقع المجتمع الأردني مما ادى لوضع العديد من الفرضيات الخاطئة التي يتم رسم الخطط والسياسات ذات العلاقة بضوئها، اذ أن مختلف الخطط والسياسات والاستراتيجيات الرسمية تقوم على فرضية ان المجتمع الأردني ينتج سنويا  ما بين  60-70 الف طالب عمل جديد، وهم الداخلون الجدد لسوق العمل لذلك تبنى السياسات الرسمية بناء على ذلك. والواقع الحقيقي يختلف عن ذلك كثيرا، فالمجتمع الأردني ينتج سنويا اكثر من 100 الف طالب عمل جديد. ونظرة سريعة على أعداد الاردنيين من خريجي الجامعات الأردنية والعربية والأجنبية والمعاهد الفنية والمهنية، الى جانب الشباب الذين لا يكملون تعليمهم الفني والمهني، خاصة اولئك الذين يخفقون في امتحانات الثانوية العامة، تبين ان اعدادهم اكبر من ذلك.

يقول عصام خريس الحاصل على شهادة البكالوريوس في ادارة الفنادق والسياحة من جامعة الزيتونة في العام 2013 والذي يعمل حاليا في صالون حلاقة، أنه لا يوجد تقدير من قبل أصحاب الفنادق والقطاع السياحي للطلاب حديثي التخرج، حيث ان شروط الالتحاق بالعمل تكاد تكون تعجيزية، فهم يشترطون سنوات خبرة أقلها خمس سنوات، بالإضافة إلى تدني الأجور مقابل ساعات عمل تتجاوز العشر ساعات يوميا وعدم توفر ضمان اجتماعي أو تأمين صحي.

ويعمل خريس ما يقارب اثنا عشرة ساعة يوميا في صالون الحلاقة مقابل 240 دينار شهريا، وهو لم يحصل على اجازة منذ شهرين.

 تشير تقارير ودراسات مختصة ان بيئة وشروط العمل غير اللائقة في سوق العمل الاردني تصدم غالبية الشباب من الخريجين الجامعيين،  لجهة انخفاض مستويات  الاجور إذ أن معدل الأجور في الاردن يتراوح ما بين (420) دينارا شهريا حسب دائرة الإحصاءات العامة، و(460) دينارا حسب المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. وان ما يقارب (64%) من العاملين بأجر ومشتركي الضمان الاجتماعي اجورهم الشهرية تبلغ(400) دينارا فما دون، ناهيك عن أن أجور الداخلين الجدد تتراوح ما بين (200-300) دينارا شهريا. يضاف الى ذلك المنافسة غير العادلة للشباب الاردني وخاصة من الخريجين الجدد مع العمالة (المهاجرة) والناجمة عن ضعف تنظيم سوق العمل، الأمر الذي اغرق سوق العمل الاردني بعشرات الالاف العمال المهاجرين دون حصولهم على تصاريح عمل رسمية. 

يقول خالد الصالح صاحب أحد المطاعم أنه لم يقم بتوقيع أي عقود عمل مع العاملين لديه في المطعم ولم يشملهم بالضمان الاجتماعي لأنه على دراية بأنهم يعملون في المطعم بشكل مؤقت إلى حين حصولهم على وظائف في شركات متخصصة بمجالات دراستهم. ويشير الى ان عماله يعملون اكثر من ثماني ساعات بسبب طبيعة العمل التي تتطلب ساعات اكثر خاصة في فصل الصيف حيث يكثر عدد زبائن المطاعم. ويؤكد ان عماله لا يستحقون بدل ساعات الدوام الإضافي لانهم يحصلون على وجبتي طعام يوميا على حساب المطعم.

كما أكد نادر أبو ليلى صاحب محل بيع ملابس أوروبية أن الأجور التي تصرف للعاملين هي أجور ضمن المتعارف عليه في السوق، وأن العمل في هكذا مجالات يتطلب ساعات عمل طويلة على عكس الشركات والمؤسسات التي تعمل ضمن نظام وبرتوكولات معينة كما يقول. ولا يلتزم ابو ليلى بمنح موظفيه بدل ساعات الدوام الإضافي، ويبرر ذلك ان موظفيه يأخذون استراحات متعددة خلال ساعات الدوام.

 تؤكد وزارة العمل ان عددا من الشركات والمؤسسات الخاصة لا يطبقون المواد المنصوص عليها بقانون العمل فيما يتعلق بساعات الدوام والعمل الإضافي  حيث تنص المادة السادسة والخمسون من قانون العمل  لعام 1996 على أن ساعات العمل يجب أن تكون ثماني ساعات في اليوم وأن لا تزيد عن ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع ولا يحسب منها الوقت المخصص لتناول الطعام والراحة. وتنص المادة السابعة والخمسون من نفس القانون على أنه يجوز لصاحب العمل تشغيل العامل أكثر من ساعات العمل اليومية وذلك في بعض الحالات المنصوص عليها في هذا القانون على أن يتقاضى العامل عن أي من هذه الحالات الأجر الإضافي المقرر.